حربُ الخطط في لبنان

بقلم رندا سليم*

يتصارع قادة لبنان على مَن لديه أفضل خطة إنقاذ إقتصادية للبلاد. وافقت الحكومة على خطة خمسية في 30 نيسان (إبريل)، وفي الأول من أيار (مايو) طلب المسؤولون اللبنانيون مساعدة صندوق النقد الدولي. مع ذلك، لم تَعجُب الخطة مراقبي غرق لبنان التدريجي في الهاوية الإقتصادية على مدى السنوات الثلاثين الماضية. وقالت كتلة “المستقبل” التي يرأسها سعد الحريري وجمعية المصارف اللبنانية إنهما ستبتكران بدائلهما الخاصة. هذه محاولة أخيرة للكتلة التي يقودها الحريري للدفاع عن النموذج الإقتصادي الذي بشّر به والده الراحل رفيق الحريري في تسعينات القرن الفائت والحفاظ عليه. كما يحاول القطاع المصرفي، الذي تمتّع منذ فترة طويلة بدور أساس في النظام السياسي اللبناني، حماية امتيازاته.

في 4 أيار (مايو)، علّق الأمين العام ل”حزب الله”، السيّد حسن نصر الله، لأول مرة على خطة الحكومة، مُجادلاً بأنها “الخطوة الأولى على طريق الإنتعاش الإقتصادي”. على الرغم من الإشارات المُبكِرة لمسؤولي “حزب الله” بأنهم يعارضون أي دور لصندوق النقد الدولي في الإنتعاش الاقتصادي في لبنان، فلم يكن أمام الحزب أي خيار سوى تغيير المسار. هناك ثلاثة عوامل تشرح قراره. أولاً، طلبت إيران مساعدة صندوق النقد الدولي، مما يجعل من الصعب المجادلة ضد المنظمة المالية الدولية عندما يكون الراعية الرئيسة للحزب طلبت هي الأخرى مساعدتها أيضاً. ثانياً، الإقتصاد اللبناني يتدهور بسرعة. ويقول المسؤولون الآن بأن هناك 75 في المئة من السكان بحاجة إلى المساعدة، بما في ذلك المساعدة الغذائية. وتُعاني مَعاقل “حزب الله” من الصعوبات الإقتصادية عينها التي تُعاني منها بقية البلاد، كما أن الموارد المالية للحزب بدأت تشح وليست بالقوة التي كانت عليها قبل الحرب السورية والعقوبات الأميركية على إيران. ثالثاً، بعد المداولات الداخلية، أدركت قيادة “حزب الله” أنه لم يعد هناك أي طريق إلى المساعدة الاقتصادية الدولية يستبعد دور صندوق النقد الدولي.

من جهته دعا الرئيس ميشال عون إلى اجتماعٍ لقادة الكتل السياسية البرلمانية في 6 أيار (مايو) لمناقشة خطة الإصلاح الحكومي. وأعلنت كتلة “المستقبل” مقاطعتها للإجتماع، بحجة أن هذه الخطوة من قبل الرئيس تنتهك وظائف البرلمان وتُمهّد الطريق لتأسيس “نظام رئاسي”. في حين أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، المعروف منذ فترة طويلة بكراهيته لعون وصهره جبران باسيل، والذي لم يوافق على خطوة رئيس الجمهورية حيث اعتبرها تعدّياً على مجاله، فمن المرجح أن يحضر الإجتماع. وأعلن الحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط، حليف الحريري، أن كتلته ستحضر الإجتماع وتُقدم تعليقاتها على خطة الحكومة.

هذه هي بداية العملية لكي تتفاوض الحكومة اللبنانية على طريقها للخروج من هذه الأزمة الإقتصادية غير المسبوقة. ستكون للإصلاحات التي سيطلبها مجتمع المانحين الدولي من أجل مساعدة لبنان تكاليف سياسية باهظة كان قادة لبنان رفضوا قبولها حتى الآن وتحمّلها. والحركة الإحتجاجية، التي انطلقت في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، استُؤنفت مجدداً الآن بعدما تم تخفيف إجراءات الإغلاق بسبب “كوفيد-19”. ومع انضمام المزيد من اللبنانيين إلى صفوف العاطلين من العمل والجياع، بما في ذلك أُسَر الطبقة الوسطى، فإن قاعدة الإحتجاج ستتوسّع.

مع تفاقم الأوضاع الإقتصادية، تَوقّع أن ينخرط السياسيون اللبنانيون في لعبة اللوم، على أمل أن يتمكّنوا من صرف الإنتباه عن مسؤوليتهم عن الحالة السيئة التي يمر بها البلد. لقد شهد الأسبوع الفائت كلاماً ونقداً، ذهابا وإياباً، بين رئيس الوزراء اللبناني حسّان دياب وحاكم البنك المركزي رياض سلامة، حيث يسعى الأول إلى وضع المسؤولية عن الأزمة المالية على عتبة الأخير، بحجة أن المخططات الهندسية المالية للحاكم هي المسؤولة عن الظروف الإقتصادية الصعبة. وفي خطاب متلفز، جادل الحاكم بأن المسؤولية تقع على عاتق سياسات الموازنة العامة، التي يسنّها ويصدرها القادة السياسيون، وليس عليه أو على البنك المركزي.

ليس من الواضح حتى الآن مَن سيكون الفائز والخاسر في هذه الأزمة الأخيرة في بلد شهد الكثير من الأزمات. في الماضي، كانت الطبقة السياسية دائماً تجد طريقة لمقاومة الضغط والبقاء في السلطة. لم تتم تلبية الدعوات السابقة للإصلاحات السياسية والإقتصادية. إن الحركة الإحتجاجية هي عاملٌ لا يُستهان به في أي تحليل للسيناريوهات المُستقبلية للبنان. ومع ذلك، يظل الإفتقار إلى قيادة مُوَحَّدة عقبة رئيسة تمنع الحركة من لعب دور على طاولة المفاوضات لإجراء مناقشات حول المستقبل الإقتصادي للبلاد.

  • رندا سليم هي زميلة كبيرة ومديرة برنامج حل الصراع وحوارات المسار الثاني في معهد واشنطن للشرق الأوسط. يُمكن متابعتها على تويتر: @rmslim

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى