كيف يُؤثّر فيروس كورونا في تدفّقات التحويلات المالية إلى الأسواق الناشئة؟

يشهد العالم تدهوراً حاداً في الأداء الإقتصادي جرّاء استمرار تفشّي وباء فيروس كورونا. ومن المؤكّد أن البلدان النامية ستتضرر بشدة جراء هذه الأزمة التي حدت بصندوق النقد الدولي، وهيئات أخرى، إلى التحذير من أنها قد تتسبب في أسوأ تراجع إقتصادي منذ الكساد العظيم في ثلاثينات القرن الفائت. ويتأثر كل بلد تقريباً على هذا الكوكب بهذه الأزمة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تشهد 170 دولة، غنية وفقيرة، إنخفاضاً في معدلات التوظيف والتحويلات المالية الخارجية هذا العام مما يعني انخفاض متوسط مستويات المعيشة.

ديفيد مالباس: التحويلات المالية هذا العام إلى البلدان النامية ستشهد أكبر انخفاض حاد في التاريخ الحديث

 

 لندن – هاني مكارم

في 22 نيسان (إبريل)، توقّع البنك الدولي أن تَشهدَ التحويلات المالية هذا العام إلى البلدان المُنخَفِضة والمُتوسّطة الدخل أكبر انخفاض حاد في التاريخ الحديث، مُنخفضةً بنسبة 19.7٪ لتصل إلى حوالي 445 مليار دولار، مُقارنةً بـ 554 مليار دولار في العام 2019.

ومن المتوقع أن يؤثر الهبوط بشكل مُختلف وغير مُتناسب في الإقتصادات الناشئة، التي هي أكبر مُتلقٍ لهذه التدفقات، ويعتمد مواطنوها عليها بدرجات مُتفاوتة للحصول على دخلٍ أساسي.

“إن التحويلات هي مصدرٌ حيوي للدخل بالنسبة إلى البلدان النامية، والركود الإقتصادي المُستَمر الناجم عن “كوفيد-19” يؤثر بشدة في القدرة على إرسال الأموال إلى الوطن، ويجعل من الضروري تقصير الوقت اللازم للتعافي للإقتصادات المتقدمة”، قال ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولي ، في بيان صدر في 22 نيسان (إبريل).

وبالنظر إلى أنه من المتوقع أن تنخفض تدفقات الإستثمار الأجنبي المُباشر إلى الأسواق الناشئة أكثر من التحويلات المالية هذا العام، بنحو 35٪، فإن الإعتماد النسبي لبعض الإقتصادات على التحويلات كمصادر للعملة الأجنبية قد يكون أكثر بروزاً.

المكسيك: أكبر مُتلقّ للتحويلات الأميركية

الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، هي أيضاً أكبر مُصدّر للتحويلات المالية في العالم. ووفقاً لبيانات من مركز أبحاث “بيو” (Pew Research)، يوجد خمسة من أكبر 10 مُتلّقين للتحويلات الأميركية في أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي: المكسيك وغواتيمالا والسلفادور وجمهورية الدومينيكان وهندوراس.

وبينما نَمَت تدفقات التحويلات إلى أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بنسبة 7.4٪ في 2019 لتصل إلى 96 مليار دولار، يتوقع البنك الدولي أن ينخفض ​​هذا المبلغ بنسبة 19.3٪ هذا العام.

نظراً إلى أنها تتشارك الحدود مع الولايات المتحدة والشتات الكبير في البلاد، تُمثل المكسيك بشكل غير مفاجئ أكبر التحويلات من الولايات المتحدة. ووفقاً لأرقام “بيو”، تلقّت البلاد أكثر من 30 مليار دولار من 148 مليار دولار تم تصديرها من أميركا في العام 2017 – ما يقرب من ضعف مستوى الوجهة الثانية، الصين. وفي الوقت نفسه، أظهرت إحصاءات أكثر تحديثاً من بنك المكسيك المركزي، أن البلاد تلقّت أعلى مستوى على الإطلاق من التحويلات المالية بقيمة 36.5 مليار دولار في العام الماضي، وجاءت الغالبية العظمى منها من جارتها الشمالية.

على هذا النحو، أصبحت التحويلات المالية الآن واحدة من أكبر مصادر الدخل الأجنبي في المكسيك، وتُمثل أكثر من عائدات تصدير النفط، حتى قبل انخفاض أسعار النفط خلال شهري آذار (مارس) ونيسان (أبريل) من هذا العام.

وفقاً لمعهد سياسة الهجرة، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، كان هناك ما يُقدَّر بـ 11 مليون مهاجر مكسيكي المولد في الولايات المتحدة في العام 2017، وهو ما يُمثل أكبر عدد من السكان المولودين خارج البلاد بحوالي 25٪ من جميع المهاجرين الذين يعيشون هناك.

بالنظر إلى أنه يُعتَقَد أن ما يصل إلى نصفهم بدون وثائق، فإن كثيرين منهم لم يكونوا مُؤهّلين للحصول على أموال التحفيز الفيديرالية المُقدَّمة للأُسَر الأميركية منذ آذار (مارس). وقد يتسبّب ذلك في مضاعفات في المكسيك حيث يعتمد بعض المناطق – مثل الولايات الريفية ميتشواكان وأواكساكا وزاكاتيكاس – على التحويلات لأكثر من 10٪ من ناتجها المحلي الإجمالي.

ومع ذلك، نظراً إلى انخفاض البيزو المكسيكي مقابل الدولار الأميركي بنسبة 20-25٪ منذ أواخر شباط (فبراير)، فإن القيمة النسبية للتحويلات ستزيد بالنسبة إلى المُستَلمين والمُتلقّين.

قبل تفشّي المرض، كان هناك بعض الأخبار الإيجابية في ما يتعلّق بتكاليف بعض العملاء، حيث أعلن البنك الإسباني “سانتاندير” (Santander) في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي أنه سيتنازل عن جميع رسوم التحويلات المالية. وقد أشاد الرئيس المكسيكي، أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، بالقرار، وحثّ مؤسسات أخرى منذ ذلك الحين على أن تحذو حذوه. ومع ذلك، طالب بعض الخبراء بتوجيه التحويلات الآتية من أميركا إلى مناطق أكثر إنتاجية في الإقتصاد.

وقالت عايدة شافيز، الرئيسة التنفيذية المشاركة لشركة التكنولوجيا المكسيكية “هولاكود” (HolaCode): “إذا وعندما تستعيد التحويلات مستويات ما قبل جائحة كورونا، فإن المكسيك ستواجه تحدياً ثانياً: ترجمة التحويلات إلى التنمية من خلال التعليم المالي والإندماج المالي. واليوم، يتم توجيه ما يقرب من 60٪ من التحويلات إلى الإستهلاك العام، مثل الغذاء والملابس ومدفوعات الديون، وليس إلى الإستثمار أو الإدّخار”.

الخليج العربي وأفريقيا: واقعان مختلفان للتكلفة

تهدف الأمم المتحدة، من خلال “أهداف التنمية المُستدامة”، إلى خفض متوسط تكلفة إرسال التحويلات النقدية. إعتباراً من أوائل العام 2020 ، بلغ المتوسط العالمي 6.8٪ من قيمة المُعاملة، علماً أن المنظمة الدولية تستهدف التخفيض إلى 3٪ بحلول العام 2030.

تميل التكاليف إلى الإختلاف بناءً على، وحسب، المنافسة في السوق. لذلك، ليس من المستغرب أن تكون عمولات التحويلات التي يتقاضاها المُشغّلون في بلدان الخليج العربي من بين أدنى المُعدلات، نظراً إلى أن المهاجرين يُمثلون نسباً عالية من السكان: أكثر من 80٪ من المُقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة مولودون في الخارج، كما هو الحال مع أكثر من 80٪ من القوى العاملة في القطاع الحاص في السعودية.

وبينما تتدفق التحويلات عادة من الإقتصادات المُتقدّمة إلى الإقتصادات الناشئة، فإن العديد من دول الخليج هي الإستثناء من هذا الاتجاه. في الواقع، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما أكبر مصدر للتحويلات في جميع أنحاء العالم بعد الولايات المتحدة.

الإمارات العربية المتحدة هي أصلاً واحدة من أرخص الدول في العالم التي تُرسَل الأموال منها. بلغ متوسط العمولة المفروضة على تحويل 735 درهماً (200 دولار) إلى الهند 3.04٪ إعتباراً من شباط (فبراير)، وهو أعلى بقليل من هدف خطة الأمم المتحدة  لأهداف التنمية المُستدامة لعام 2030.

وقد يشهد سوق التحويلات المالية في البلاد انخفاضاً أكبر بعدما بدأت شركة التكنولوجيا المالية البريطانية “ترانسفير وايز” (TransferWise) العمل في الإمارات العربية المتحدة في نيسان (إبريل) الفائت.

إن النفقات العامة المنخفضة تعني أن إرسال 735 درهماً (200 دولار) إلى الهند يُكلّف الآن عمولة بنسبة 1.71٪، وهو ما يزيد قليلاً عن نصف متوسط عمولة التحويل التي تفرضها الشركات التقليدية. وفي سوق تنافسية أصلاً، يُمكن أن يؤدي وجود شركة “ترانسفير وايز” والنفقات العامة المنخفضة إلى تعطيل كبير لإيرادات المؤسسات الراسخة، خصوصاً في ضوء الإنخفاض المُتوقَّع في حجم التحويلات المالية في العام 2020.

كلفة التحويلات الأفريقية ما زالت مرتفعة

في العام 2019، نمت تحويلات المهاجرين الأفارقة في الخارج بنسبة 3.5٪ لتصل إلى 707 مليارات دولار. في المتوسط​​، هي تُمثّل 2.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة؛ ومع ذلك، بالنسبة إلى بعض البلدان الأصغر مثل السنغال، تُشكّل التحويلات حوالي 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وبعدما استفادت مصر من تحويلاتٍ بقيمة 26.8 مليار دولار في العام الفائت، أصبحت أكبر دولة مُتلقية في القارة السمراء من حيث القيمة الإسمية. يأتي هذا بشكل رئيس من الدول العربية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. وتأتي نيجيريا في المرتبة الثانية بعد أن تلقّت 23.8 مليار دولار في العام 2019، وكانت المملكة المتحدة والولايات المتحدة من بين أسواق المصادر الرئيسة مرة أخرى.

على النقيض من الإمارات العربية المتحدة، فإن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لديها أعلى متوسط ​​تكلفة تحويل للتحويلات في العالم، بنسبة 9٪.

في حين أنها لا تزال مُرتفعة، فقد انخفضت هذه التكاليف بشكل ملحوظ منذ العام 2008، عندما كان متوسط ​​العمولة المفروضة على التحويلات في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى 15٪. ومع ذلك، فقد كانت راكدة بشكل معقول منذ العام 2014، عندما كان المُعدل 10٪.

أحد الأسباب الرئيسة لهذه الرسوم المُرتفعة هو القوانين الصارمة التي تتطلب من مُشغّلي تحويل الأموال إجراء تدقيق وفحص للتحقق من أن الأموال ليست مُخصّصة أو غير مُستخدَمة في ممارسات غير مشروعة.

سيكون تبسيط القوانين للحدّ من هذه التدقيقات والفحوص الطريقة الوحيدة لخفض التكاليف للمُستهلكين، الذين يُرسلون عادةً مبالغ مالية صغيرة ولكن مُنتَظِمة.

علاوة على ذلك، من المرجح أن تؤدي المنافسة المتزايدة في إفريقيا إلى انخفاض الأسعار. في جميع أنحاء القارة السمراء، يوجد لدى العديد من مكاتب البريد الوطنية – وهي واحدة من الأماكن القليلة لجمع الحوالات المالية لأولئك الذين ليس لديهم اتصال بالإنترنت – إتفاقات حصرية مع بعض المُشغّلين، مما يؤدي إلى احتكار للعديد من العملاء.

مفتاح التكنولوجيا لخفض التكاليف

كما هو الحال مع “ترانسفير وايز”، فإن إطار العمل الذي يُركّز على التكنولوجيا هو طريقة إضافية لتقليل تكلفة إرسال التحويلات، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن البنية التحتية المادية اللازمة لإكمال التحويل هي أقل بكثير من الطرق الأخرى، مثل التحويلات الشخصية عبر منافذ إلكترونية مثل ال”ويسترن يونيون”.

نيجيريا هي أحد البلدان الذي بشّر فيها مستوى عالٍ نسبياً من الإختراق الرقمي والإلكتروني بوصول مُزوّدي التحويلات الرقمية، وهو ما ينعكس في انخفاض أسعارها مُقارنةً ببقية المنطقة. خفض مزوّدو التكنولوجيا المالية “ترانسفير وايز” و”أزيمو” (Azimo) تكلفة تحويل 120 جنيهاً إسترلينياً (149 دولاراً أميركياً) من المملكة المتحدة إلى نيجيريا إلى ما بين 4 و5٪، وهو في متناول هدف خطة الأمم المتحدة ل”أهداف التنمية المُستدامة ل 2030″ البالغ 3٪.

بالنظر إلى القوانين الصارمة المطلوبة في أفريقيا، يُمكن للتكنولوجيات التي تُعزّز الشفافية – مثل “بلوك تشاين” (blockchain) – أن تلعب أيضاً دوراً في خفض الرسوم من خلال عمليات تحويل أكثر أماناً وفعالية.

نتيجة لانخفاض رسوم العمولة، قد يكون المُرسِلون أكثر استعداداً لتقليل استخدامهم للقنوات غير الرسمية لإرسال الأموال.

مثل هذه الممارسات، التي تشمل الأصدقاء والأقارب أو حتى الشخص نفسه الذي يقوم بنقل التحويلات جسدياً، مرتفعة بشكل خاص في مناطق مثل أوروبا الشرقية أو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. ويُشير بعض التقديرات إلى أنها تمثل ما يصل إلى 75٪ من قيمة الحوالات الرسمية، على الرغم من عدم وجود اتفاق كبير بين المُحلّلين على دقة هذه الأرقام.

ورغم وجود إمكانية لاستخدام العملات المُشفّرة للتحويلات في المستقبل، إلّا أن تقلّباتها الحالية في السوق – خصوصاً في الظروف الحالية – مُقترنة بطبيعتها المُعقّدة تجعل هذا احتمالاً غير مُتوَقَّع في المدى القريب.

“تحوّط” تحويلات آسيا

على الرغم من توقع حدوث انخفاضات كبيرة في التحويلات في جميع المناطق هذا العام، إلّا أن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ يُمكن أن يكون الإنخفاض أخف حدة إلى حد ما من خلال شتات العمال الأجانب عبر مجموعة واسعة من أسواق العمل.

كان الشتات من الدول الآسيوية تاريخياً أقل تركيزاً في منطقة واحدة ويميلون إلى الانتشار على الصعيد العالمي، الأمر الذي عزلهم إلى حد ما عن الانكماش الاقتصادي العالمي في الماضي. وقد وصف نيكولاس مابا، كبير الإقتصاديين في بنك “إنج” (ING) في الفلبين، هذه الظاهرة بأنها “تحوّط طبيعي”.

ويوضّح ذلك العديد من بلدان “الشريحة الصفراء” (الأسواق الناشئة) في جنوب وجنوب شرق آسيا. تتلقى كلٌّ من سريلانكا وتايلاند وفيتنام وماليزيا والفلبين حوالاتها المالية من مجموعة واسعة من أسواق المصادر مثل الولايات المتحدة وأوروبا وأوستراليا والخليج العربي وأماكن أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

مع ذلك، مع توقع أن تتجه معظم أكبر أسواق التصدير العالمية للتحويلات إلى الركود هذا العام، فإن التأثير لا يزال من المحتمل أن يكون كبيراً في الأسواق الناشئة في آسيا. لن تتأثر التدفقات الوافدة فحسب، بل سيعود بعض العمال المهاجرين إلى ديارهم بسبب نقص فرص العمل، مما قد يؤدي لاحقاً إلى زيادة أرقام البطالة. وعلى سبيل المثال، عاد ما يُقدَّر بنحو 16,000 فلبيني إلى ديارهم منذ بداية تفشّي المرض.

إلى جانب الهند، تُعَدُّ الفلبين واحدة من الدول الأكثر اعتماداً على التحويلات في آسيا. وقد تلقّت 30.1 مليار دولار في العام الماضي، أي ما يعادل حوالي 8.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ونمت التدفقات الداخلة سنوياً بنحو 4٪ في السنوات الأخيرة، وفقاً لبيانات من بنك “إنج”.

ومع ذلك، في تحوّل كبير، يتوقع البنك الدولي الآن – كما أفادت بلومبيرغ – إنخفاضاً بنسبة 13٪ في التحويلات إلى الفلبين هذا العام.

يُمكن أن يكون أحد الجوانب المُضيئة هو أن العمال المُنتجين والمَهرة والطموحين الذين عادوا من الخارج بسبب الوباء يُمكن أن يساعدوا على دفع نشاط ريادة الأعمال في مرحلة التعافي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى