الأَناقة في زمَن الحَجْر كما تَـهيُّؤًا للخروج

بقلم هنري زغيب*

 

قبل أَيامٍ قرأْتُ في جريدة “لوموند” مقالًا من سلسلةٍ حول تمضية وقتٍ مفيدٍ مُجدٍ مثْمرٍ إِبَّان أَيَّام الحَجْر في البيوت، تلافيًا خطرَ الكورونا. وأَشار المقال إِلى ثوبٍ منهدِلٍ على الجسم من حَلْقه إِلى قدميه، واسعٍ ومُريحٍ، درجَ زيُّهُ في خمسينات القرن الماضي، وثبُتَت جدواه في إِراحة الجسم حرَكَةً إِلى الخارج أَو تحرُّكًا داخليًّا في البيت، وهو إِلى حدٍّ غيرِ بعيدٍ يُشْبِه الكيمونو اليابانيّ أَو العباءَة الشرقيةَ المريحةَ الجسم للنساء والرجال.

هدَفُ كاتب المقال أَن يؤكِّد على الأَناقة داخلَ البيت كاتِّباعها خارجَه، فالداخلُ يستوجب الحفاظ على أَناقة مادية تُشْعرُ الإِنسان معنويًّا بِراحةٍ ذهنيةٍ تساعده نفسيًّا على تخَطِّي ساعات الضجر محجورًا في غُرَف البيت.

الراحةُ الجسديةُ إِذًا، مُنعكسةً على الراحة النفسية، تمتدُّ أُفُقًا من الفرحِ والوَساعةِ واقتبالِنا ساعاتٍ طويلةً في البيت فلا تعودُ مطَّاطةً مُضْجِرَةً مستطيلةً سلحفاتيَّةً، بل تصبحُ رفيقةَ وقتٍ بهيجٍ سائغٍ مُثمرٍ وتفاؤُليّ.

أَإِلى الرياضة فقط يُلمِحُ هذا الثَوبُ الفضفاض؟ طبعًا لا للرياضة وحسْب (مع أَنه يساعدُ على الحركات الرياضية في البيت أَو التحرُّك الرياضي خارجًا في حديقة البيت أَو جواره) لكنه يجعل الجسد في حالة مريحةٍ اقتباليةٍ كُلَّ حَراكٍ جسديٍّ أَو فكريٍّ أَو ذهنيّ، لأَن البقاءَ في البيت بلباس النوم الليلي يترك في الجسدِ حسَّ النوم وتاليًا شعورَ الكسَل والتراخي والإِهمال، وعندئذٍ يتنامى الشعورُ بالضجَر والحيرة في كيفية استخدام هذا الوقت الحجْريّ الطويل غيرِ المعروفِ بعدُ مداه الأَدنى ولا الأَقصى.

مَلءُ الوقت إِذًا، في ثوبٍ مريحٍ، مفتوحٌ له مدى القراءة والعودةِ إِلى الصداقة مع الكتاب حين تكون في البيت مكتبةٌ أَو باقةُ كتب، وإِلَّا فاستخدامُ التكنولوجيا لقراءة الكتُب الرقمية إِنتِرنِتِيًّا، أَو الرُكُونُ إِلى الشاشةِ لمشاهدة مسرحيةٍ أَو عملٍ أُوپِّـرالي أَو كوريغرافي، أَو أُمسيةٍ موسيقيةٍ أُوركسترالية، والانعطافُ إِلى متابعة الأَولاد في تَلَقِّيهم الدروسَ التلڤزيونيةَ أَو التعَلُّمَ عن بُعد.

بالعودة إِلى مقال الـ”مُونْد”: كما التَهَيُّؤُ ثيابًا وأَناقةً للرياضة في النادي أَو للخروج إِلى العمل أَو للزيارة، فَلْيبدأِ النهارُ في زمن الحجْر بالتهيُّؤ ثيابًا وأَناقةً للبقاء في البيت، وبأَن يَمضي النهار في البيت كما الوقتُ خارجَه، فلا يكون الضجر ولا الإِحساس المرهِقُ بالوقت السلَحفاتي.

في زمن الحجْر، لا أَجدرَ من رجلٍ يتهيَّأُ صباحًا لا للخروج بل للبقاء في البيت، ولا أَجملَ من امرأَةٍ تزاولُ صباحًا جميعَ طقوس الأَناقة كما لو انها ستخرجُ في زيارة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى