العراق يغرق في بحر الأزمات!

يواجه رئيس الوزراء العراقي المُكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، عدنان الزرفي، معارضة في خضم الأزمة السياسية والمالية، وأخيراً الأزمة الوبائية العالمية، قد تؤدي إلى تنحّيه عن مهمته.

الرئيس العراقي برهم صالح يُكلف عدنان الزرفي: إيران ومناصروها في العراق ضد هذا التكليف

 

بقلم كيرك سويل*

واجه العراق، خلال الشهر الفائت، تحدّيَين شديدين يتمثّلان في حرب الأسعار النفطية التي نشأت بين روسيا والمملكة العربية السعودية وتسببت بشلّ الإقتصاد، وانتشار وباء كورونا بسبب التواصل والإحتكاك مع أشخاص في إيران. ومن بين جميع البلدان التي تأثّرت سلباً بالإنهيار الأخير في أسعار النفط أو تفشّي الفيروس، لم يكن العراق على وجه الخصوص مستعداً كما يجب لمواجهة هذين التحدّيين نظراً إلى إمكاناته المالية والمؤسسية الضعيفة. يواجه العراق هذه العوائق في خضم الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد منذ اندلاع الاحتجاجات في تشرين الأول (أكتوبر) 2019. لقد تحوّلت المظاهرات تعبيراً عن المظالم الإقتصادية والإجتماعية والشكاوى من تردّي الخدمات العامة إلى سمة شبه ثابتة في الحياة العامة، لكنها انحسرت نسبياً في الجزء الأكبر من العام 2019. بيد أن الإنتهاكات التي مارستها القوى الأمنية في أواخر أيلول (سبتمبر) وفي تشرين الأول (أكتوبر) أثارت موجة متجددة من التظاهرات في البلاد. وقد أدّت الإحتجاجات التي بدأت سلمية قبل توقّفها بسبب الجائحة، إلى قطع الطرقات ووقوع أضرار في البنى التحتية وسقوط ما يناهز ال400 ضحية من المدنيين على أيدي الأجهزة الأمنية، ودفعت برئيس الوزراء عادل عبد المهدي إلى تقديم استقالته في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر). وعلى الرغم من استمراره في تصريف الأعمال، أصبحت البلاد منذ الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2019 من دون حكومة مركزية تملك سلطة إقرار موازنة أو توقيع عقود. ولكن في 16 آذار (مارس)، قام الرئيس العراقي برهم صالح بتكليف المحافظ السابق عدنان الزرفي تشكيل حكومة جديدة.

ينص الدستور العراقي على وجوب تشكيل الحكومة في غضون فترة لا تتعدّى 45 يوماً – 15 يوماً لتكليف مرشّح الكتلة الأكبر رئاسة الوزراء، و30 يوماً لاختيار الوزراء وطرح أسمائهم على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم. إنتظر مجلس النواب حتى الرابع من كانون الأول (ديسمبر) ليطلب من الرئيس صالح تكليف رئيس وزراء جديد، ممدِّداً المهلة إلى 19 كانون الأول (ديسمبر). وخلال شهر كانون الأول (ديسمبر)، طُرِحت أسماء عدد من المرشحين سقط معظمهم لا بفعل غياب الإجماع السياسي فحسب، بل أيضاً لأن ترشيحهم كان السبب وراء اندلاع احتجاجات، حيث غالباً ما كان النشطاء يهتفون ضد مرشحين مُحدَّدين بالأسماء. وكانت الأزمة السياسية على موعد مع استراحة وجيزة في مطلع كانون الثاني (يناير) جراء الأزمة التي استجدّت وتبادُل الهجمات العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية. وقد أدّى ذلك إلى تصويت غير مُلزم في مجلس النواب– من دون نصاب – للمطالبة بخروج القوات الأميركية من العراق. وبعد الخطاب المُسهَب على غير عادة الذي ألقاه عبد المهدي خلال تلك الجلسة البرلمانية في 5 كانون الثاني (يناير)، جدّدت الكتل الموالية لإيران جهودها من أجل إبقائه في منصبه. ولكن المعارضة السياسية والاحتجاجية أدّت إلى إحباط تلك المساعي.

إنقضت المرحلة الأخيرة من كانون الثاني (يناير) ثم شباط (فبراير) بكامله في البحث عن مرشح جديد، وقد جرى تكليف وزير الإتصالات السابق محمد توفيق علاوي لتشكيل حكومة جديدة لكنه لم يفلح في ذلك. ولم تتوصل لجنة شيعية عابرة للأحزاب شُكِّلت في مطلع آذار (مارس) إلى توافق، ومع اقتراب انقضاء مهلة تعيين رئيس وزراء جديد، قام الرئيس صالح بتكليف الزرفي الذي تُعتبَر آراؤه السياسية أقرب إلى آراء صالح من جميع المرشحين السابقين. وقد عمل الزرفي، خلال تولّيه منصب محافظ النجف زهاء سبع سنوات على امتداد ثلاث ولايات، على ترويج رؤية سياسية مُستندة إلى تشجيع الروابط الإقتصادية مع الغرب الصناعي وفي الوقت نفسه تهميش الفصائل الميليشياوية المدعومة من إيران. ولا يُنظَر إليه فحسب بأنه موالٍ للأميركيين في الشؤون العسكرية بل هو أيضاً مواطن أميركي، فقد كان يقيم في الولايات المتحدة قبل العام 2003. ولهذا السبب تحديداً، إنطلقت المعارضة  لأساسية له من الفصائل الموالية لإيران والفصائل الشيعية المُستقلة عنها. ولكن الأجنحة العسكرية التابعة للمجموعات الموالية لطهران منحت معارضيه وزناً أكبر من المُعتاد. وإلى جانب منظمة “بدر” التي يقودها هادي العامري، أبدى تنظيم “عصائب أهل الحق” جهاراً معارضته للزرفي. في الوقت الراهن، لا يمتلك هذان الفصيلان عدداً كافياً من المقاعد لإسقاط تكليف االزرفي، في حال حصوله على الدعم من الأكراد والسنّة، وغالب الظن أنه سينال هذا الدعم إذا لم يتسبب ما تمارسه المجموعات المدعومة من إيران من تهديد ضمني بعدم الإستقرار، بترويع الأحزاب ودفعها نحو التراجع.

إذا انتُخِب الزرفي، فسوف يواجه أزمتَين فوريتين أخريين إلى جانب الخلل الوظيفي السياسي المعهود في البلاد. الأولى هي أزمة مالية يؤجّجها انهيار أسعار النفط بسبب حرب الأسعار بين السعودية وروسيا. الديون الخارجية العراقية متدنية نسبياً، ولكن التهديد الأكبر الذي يُحدق بالعراق مصدره ما يمكن تسميته “التعثّر الداخلي”. فالمجتمع العراقي يعتمد اعتماداً شديداً على التوظيف المباشر المدفوع الأجر، والمعاشات وسواها من المدفوعات، بما في ذلك الضمان الإجتماعي ومنظومة المعونات الغذائية الحكومية، وكلاهما يؤمّنان الدعم للقطاع الزراعي والمساعدات الغذائية. إذا تخلّفت الدولة عن سداد هذه الدفعات الداخلية، سوف يعاني الجزء الأكبر من سكان العراق من الجوع.

نظراً إلى افتقار الحكومة العراقية إلى الإحتياطات وإلى ضآلة إيراداتها غير النفطية، من شأنها أن تتعثّر سريعاً عن سداد استحقاقاتها لولا قدرتها على الإستدانة من احتياطي المصرف المركزي بالعملات الأجنبية. ومع أن هذا الاحتياطي كبير ويتخطى 80 مليار دولار بفضل مبيعات النفط، إلا أنه ليس احتياطاً غير محدود. بغداد بحاجة إلى أن يصل سعر برميل النفط بين 60 و65 دولاراً كي تتمكن مؤسسات الدولة من مواصلة العمل من دون استثمارات رأسمالية. إستناداً إلى الأرقام المُعلنة عن الأموال المتوافرة، وفي أسوأ السيناريوات حيث يبقى سعر برميل النفط أقل من 30 دولاراً، يمكن أن تُعاني بغداد من عدم الملاءة في غضون 12 شهراً. أما إذا ارتفعت أسعار النفط تدريجاً هذا العام وبلغت في المتوسط نحو 50 دولاراً العام المقبل، فيمكن أن تكفي الأموال المتوافرة حتى سنة 2021. ولكن بحلول ذلك الوقت، تكون قد انقضت سنوات عدة من دون تحقيق تنمية مجدية في البلاد، ما قد يدفع باتجاه إجراء خفوضات واسعة في القطاع العام في حال تراجعت أسعار النفط من جديد.

تتمثّل الأزمة الفورية الثانية بجائحة “كوفيد 19”. فالنظام الصحي العراقي كان يعاني أصلاً من الإنهاك عند بدء الوباء، ويفتقر إلى الإمكانات اللازمة لإجراء الفحوص من أجل قياس حجم تفشي الوباء في البلاد. لقد عمدت الحكومة إلى الحد من حركة التنقل في بغداد والمدن الكبرى الأخرى، وإلى إغلاق بعض المساجد وحظر تجمعات أخرى. يكاد عدد الإصابات المُثبتة يصل إلى ألف وفقاً لتعداد وزارة الصحة، ولكن نظراً إلى ارتفاع وتيرة الإحتكاك مع إيران حيث تنتشر العدوى على نطاق واسع، وإلى العدد المحدود جداً للإختبارات التي تُجرى للكشف عن الإصابة بالفيروس، لن تنجلي الصورة بالنسبة إلى فاعلية هذه الإجراءات قبل اتضاح العدد النهائي للوفيات.

ليس واضحاً حتى الآن إذا كان الزرفي سيتمكّن أم لا من تشكيل حكومة، ولكن إذا نجح في ذلك فسوف تواجه الحكومة العتيدة عقبات عدّة، إذ إنها سوف تفتقر إلى الأكثرية اللازمة في مجلس النواب كي تتمكّن من العمل، وسوف تواجه انهياراً مالياً وأزمة صحية محتملة، وسوف يكون عليها التعامل مع معارضة عدائية مدعومة من إيران ومجهّزة جيداً بالسلاح. أكثر من ذلك، سيكون على الحكومة تنظيم انتخابات مُبكرة استجابةً لمطلب المتظاهرين. ولكن الانتخابات الجديدة ستكون على الأرجح التحدّي الأسهل أمام الحكومة، نظراً إلى أنه يمكن الامتناع عن إجرائها لسبب وجيه مرتبط بجائحة “كوفيد 19”. سوف توضَع الحكومة على محك الاختبار الحقيقي في إدارتها للأزمات المالية والسياسية والأمنية والصحية دفعةً واحدة.

  • كيرك سويل ناشر ومحرر الرسالة الإخبارية التي تصدر كل أسبوعَين “PoliticsInside Iraqi“. يُمكن متابعته عبر تويتر: @uticarisk.
  • عُرّب هذا المقال من الإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى