هل يدفع وباء كورونا الأردن إلى حافة الهاوية؟

يُعاني الإقتصاد الأردني منذ سنوات من تعثّر وعجز كبير في الميزان التجاري وارتفاع الديون الخارجية إلى نسبة خطيرة على الرغم من محاولات الدولة الإصلاحية التي لم تكتمل بسبب الإحتجاجات الشغبية ضدها. وكأن هذا لا يكفي فقد جاءت جائحة كورونا لتزيد الطين بلّة وتُهدد مستقبل المملكة على كل الصعد.

الملك عبدالله الثاني: مملكته تواجه تحدياً وجودياً

 

بقلم ليث العجلوني*

منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية قبل مئة عام، كان الكثيرون يجادلون في مرحلة أو أخرى بأن البلاد باتت على حافة فترة من عدم الإستقرار السياسي أو الإقتصادي. ومع ذلك، يبدو الأمر في هذه الأيام صحيحاً بشكل متزايد. في السنوات القليلة الماضية، عانى الأردن من تحدّيات إجتماعية واقتصادية مُستَمرّة: لم يتجاوز النمو الإقتصادي 1.9 في المئة، وارتفعت البطالة إلى 19 في المئة، وبلغ الدين العام الآن 96.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتُضيف الصدمة غير المُتَوَقَّعة لوباء “كوفيد-19” (COVID-19) المزيد من الضغط على الإقتصاد المُتعثّر أصلاً. ورداً على ذلك، إتّخذت الحكومة الأردنية خطوات للحدّ من انتشار الفيروس في البلاد، حيث أغلقت الحدود، وفرضت حظر التجوّل في جميع أنحاء البلاد. والقرار الأخير هو سيفٌ ذو حدّين على الرغم من ذلك. من ناحية، وكما فعلت دولٌ أخرى، كانت الحكومة بحاجة إلى فرض إجراءات صارمة لإنقاذ الأرواح وحماية النظام الصحي من الإنهيار، ولكن القيام بذلك يُعرّض الإقتصاد للخطر من ناحية أخرى. من المُرجّح أن يكون تأثير الإغلاق الصارم للأردن بشكل غير مسبوق في الإقتصاد، الهشّ أصلاً، قاسياً جداً.

جعلُ اقتصادٍ ضعيف أكثر عرضةً للخطر

التحدّي الرئيس الذي يفرضه حظر التجوّل هو اعتماد الأردن على العمالة غير الرسمية وقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم. يعمل أكثر من 52 في المئة من القوى العاملة بشكل غير رسمي، وحوالي 95 في المئة من شركات القطاع الخاص هي من الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تُساهم بنحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ستفقد الغالبية العظمى من هذه الشركات والعمال تدفقاتها المالية، مما سيجعل من الصعب عليها الحفاظ على أعمالها ووظائفها ودفع فواتيرها. وقد تجد الشركات الصغيرة والمتوسطة نفسها مُجبَرة على تسريح العديد من عمالها لخفض التكاليف. كما سيفقد العاملون المياومون (اليوميون) في قطاعَي البناء والزراعة، الذين غالباً ما يكونون عاملين أجانب وغير مُؤهّلين للحصول على الخدمات الإجتماعية، مصدر دخلهم، وبالتالي قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية.

في سياق الشركات الصغيرة والمتوسطة والقطاع غير الرسمي، أشارت الدكتورة أليسون هارتنت (Allison Hartnett)، الخبيرة الإقتصادية والباحثة في الشؤون الأردنية في جامعة “يال” (Yale) الأميركية، إلى أنه “نظراً إلى أن معظم الشركات الأردنية مؤسسات صغيرة أو صغيرة جداً، ونعلم أن عدد الشركات غير الرسمية مرتفعٌ، فإن أصحاب هذه الشركات لن يكون لديهم الحق في الحصول على الكثير من الدعم الحكومي، إما لأنهم يعملون بشكل غير رسمي وبالتالي غير مُسَجّلين في دوائر الدولة أو لأن شركاتهم أصغر من أن تتمكّن من البقاء بسبب نقص الإيرادات لفترة طويلة جداً”.

علاوة على ذلك، سيُعاني قطاع السياحة من عواقب وخيمة نتيجة حظر التجوّل. في الوقت الحاضر، توقّفت جميع الأنشطة السياحية في الأردن. يأتي هذا في وقت سيّىء للغاية حيث كان القطاع قد اكتسب زخماً في السنوات القليلة الماضية، مع نمو النفقات بنسبة 10 في المئة في العام الفائت. وقد شكلت السياحة نسبة 12.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018، ووظّفت أكثر من 42,000 عامل بشكل مباشر و130,000 بشكل غير مباشر، كما قدّمت مساهمة كبيرة في احتياطات الأردن من العملات الأجنبية. وبحسب مُحلّل الأعمال الأردني جواد عباسي، فإن معظم نفقات السياحة في البلاد، والتي بلغ مجموعها 4 مليارات دينار (5.6 مليارات دولار) في 2019، كانت بالعملات الأجنبية.

إن الإغلاق على الصعيد الوطني وصدمة الطلب الإجمالية الناتجة سيزيدان من العبء على المالية العامة. وستنخفض الإيرادات الضريبية بشكل كبير، خصوصاً أن الحكومة تعتمد بشكل شديد على ضريبة المبيعات، التي تُمثّل 68.5 في المئة من عائدات الضرائب السنوية. على الجانب الآخر من الموازنة العمومية، من المرجح أن يزيد الإنفاق على قطاع الصحة بشكل ملحوظ للتعامل مع الوباء.

بالإضافة إلى هذين العِبئَين الرئيسيين غير المُتَوَقَّعَين على المالية الحكومية، ينبغي على الأردن أن يدفع هذا العام حوالي 1.76 مليار دولار من ديونه الخارجية. بأخذها معاً، ستحدّ هذه العوامل من مساحة الحكومة للمناورة المالية لتحفيز الإقتصاد بعد أن تنحسر الأزمة. ونتيجةً لذلك، سوف تضطر إلى الإقتراض أكثر، مما سيدفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى ما بعد عتبة 100 في المئة. في نهاية المطاف، سيُعرّض هذا الوضع إلى تخفيض التصنيف الإئتماني للبلاد، وبالتالي زيادة تكلفة ديونها العامة الباهظة الثمن أصلاً.

في حين أنه من المرجح أن يتقلّص العديد من قطاعات الإقتصاد المحلي، فإن الأردن سيواجه تحدّيات خارجية جديدة أيضاً، خصوصاً في ما يتعلق بالتجارة. سيكون أمن سلسلة التوريد الخاصة به مُهدَّداً بشكل خطير، نظراً إلى أن ما يقرب من ثلث واردات الأردن يأتي من الدول التي لديها أعلى معدلات الإصابة بوباء “كورونا”: الصين (13.62 في المئة)، الولايات المتحدة (8.69 في المئة)، ألمانيا (4.6 في المئة) وإيطاليا (3.09 في المئة). وعلى صعيد التصدير، ستواجه الصناعات الأردنية أيضاً تحديات جديدة: أولاً، سيكون الحصول على مستلزمات الإنتاج أصعب وأكثر تكلفة. ثانياً، قد لا تتمكن من التصدير عند المستويات عينها بسبب الإنكماش الإقتصادي الدولي الحتمي والتراجع اللاحق في الطلب في الأسواق العالمية.

بناءً على ما سبق، من المرجح أن يشهد الأردن مستويات عالية من البطالة بشكل غير عادي، ومعدلات فقر متزايدة، ومالية عامة مُرهَقة بشكل كبير، وكل هذا سيجعل من الصعب على الدولة التعامل مع التحديات المقبلة.

التوجّه نحو المجهول

على الرغم من رد الفعل الإيجابي الحالي للشعب الأردني وامتثاله للقيود الهادفة إلى إنقاذ الأرواح، من غير المُحتَمَل أن تستمر هذه الصداقة اللحظية بين الدولة والشعب بعد احتواء الفيروس. في المدى الطويل، من المرجح أن تؤدي التحديات الإقتصادية الناشئة إلى مزيد من الإضطرابات الإجتماعية وزيادة الغضب الشعبي. في العام 2018، شهدت العاصمة، عمّان، إحتجاجات ضخمة ضد مشروع قانون ضريبة الدخل المُثير للجدل الذي كانت هناك حاجة ماسة إليه لزيادة الإيرادات. وأعقبت ذلك إحتجاجات أسبوعية على المظالم الإقتصادية، حيث أعرب المتظاهرون عن غضبهم ضد النخبة السياسية الحاكمة.

وفقاً لمسح الباروميتر العربي، تراجعت ثقة الجمهور في الحكومة بشكل حاد في السنوات الأخيرة، حيث انخفضت من 72 في المئة في العام 2010 إلى 38 في المئة في العام 2018. علاوة على ذلك، يثق 14 في المئة فقط من الأردنيين بهيئتهم التشريعية المُنتَخبة الرئيسة، مجلس الأمة (البرلمان). وقد كشفت دراسة حديثة نشرها “المعهد الجمهوري الدولي” (International Republican Institute) أن 72٪ من الأردنيين يعتقدون أن البلاد تُحكَم لمصلحة القلّة، و66٪ يعتقدون أن الفساد موجود “إلى حد كبير” في مؤسسات الدولة، و 57٪ يعتقدون أن الأردن يسير في الإتجاه الخاطئ.

بالنظر إلى البيئة السياسية المتوتّرة، وضعف الإقتصاد، والتحديات الجديدة غير المسبوقة، من المرجح أن يدفع “كوفيد-19” الأردن الضعيف بالفعل إلى مستويات جديدة من عدم اليقين والمخاطر السياسية والإضطرابات الإجتماعية.

توضّح الدكتورة هارتنت أن “إغلاق الأعمال، إلى جانب طبقة وسطى مُعَّبَّأة أصلاً والتي احتجّت ضد الضرائب الجديدة، يعني أن الدولة ستواجه أزمة مالية أكبر مع عدم وجود طريقة واضحة للمضي قُدماً بعد انتهاء الإغلاق”. ومع ذلك، إن الإبحار قُدماً إلى الأمام ممكن، وأن الأردن يمكن أن ينجو من الأزمة حيث أضافت أن “المساعدات الخارجية ليست هي الحل؛ فهي تخدم فقط لإدامة النظام الفاشل. تحتاج الدولة إلى الانخراط في إصلاح اقتصادي جاد لدعم”الوسط المفقود” وإعادة هيكلة الإقتصاد الأردني ليكون أكثر مرونة في مواجهة الصدمات”.

  • ليث فخري العجلوني باحث في الإقتصاد السياسي مقيم في عمان. يُمكن متابعته على تويتر: @LaithAlajlouni. وجهات النظر المعروضة في هذا المقال هي خاصة به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى