كورونا يُشعلُ صراعاً داخلياً في إيران حول علاقة البلاد بالعالم

لعبة شد الحبل السياسية في إيران بين المُتشدّدين والمعتدلين ليس جديداً، لكن الجديد الآن هو وقوع أزمة فيروس كورونا التي عَرَضَت المشهد الداخلي بشكل واضح حيث اشتعل صراع بين فريق الرئيس حسن روحاني ومؤيديه وفريق الحرس الثوري حول كيفية التعامل مع الأزمة وطلب المساعدة الخارجية.

 

الرئيس حسن روحاني: أزمة كورونا أغرقته في بحر من الأزمات

 

بقلم أليكس فاتانكا*

يزعم الرئيس الإيراني حسن روحاني أن طهران تفوّقت على كل الدول الغربية في تعاملها مع أزمة فيروس كورونا. لا يُمكن لأحد أن ينكر انتشار الذعر في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة مع انتشار الفيروس. لكن بدلاً من الشماتة – التي لا يوجد مبرر لها لأن إيران لا تزال ثالث أكثر الدول تضرراً من الوباء في العالم حيث توفي أكثر من 1300 شخص وأصيب أكثر من 19,000 آخرين – يجب أن يُبقي روحاني عينيه على بعض العلامات الأكثر إثارة للقلق محلياً كما كشفت ردود الفعل على الأزمة.

طهران تحتاج إلى إدارة للأزمة

قبل كل شيء، هناك السؤال لماذا قام المسؤولون في طهران على مدى أسابيع بتغطية وإخفاء حقيقة وصول الفيروس إلى إيران من الصين في أوائل كانون الثاني (يناير) الفائت. هذه النزعة أو الميل من قبل طهران في البداية لإنكار وجود أزمة، ثم التصرّف بطريقة غير مُنَظَّمة عندما استجابت في النهاية، تتحدّث عن حقيقتين مُنفصلتَين.

أولاً، يبدو أن عجزاً كبيراً في الشرعية الشعبية يُجبر النظام على تضليل الجمهور باستمرار من أجل إبقاء السكان في حالة من الهدوء. بالإعتراف بهذا الواقع المُتمثّل في كسر ثقة الشعب بالسلطة، أطلق روحاني في الأسبوع الفائت مقطعاً مدته ساعة تقريباً من اجتماع الحكومة حول الأزمة. يحاول روحاني في الفيديو عرض صورة مدير الأزمة الذي يتحكّم بشكل كامل في الوضع، ويستجوب كلاً من وزرائه حول القضايا المتعلقة باحتواء الفيروس وتوافر الأسرّة في المستشفيات. جاءت حيلة العلاقات العامة بعد انتقادات شديدة بأن روحاني فشل في قيادة الأمة في ساعة الأزمة.

ثانياً، والأكثر تبعاً لذلك، أن أزمة فيروس كورونا هي أحدث تذكير بأن الفصائل السياسية في الجمهورية الإسلامية تواصل صراعها حول نوع العلاقة التي يجب أن تكون عليها الدولة مع بقية العالم. التنافس بين الفصائل داخل النظام لا يتعلق كثيراً بإدارة الأزمات الفورية في هذا المجال، كما أفادت وسائل الإعلام الغربية، التي ركزت على المنافسة الصغيرة لروحاني ضد الحرس الثوري على عباءة “قيادة” الأزمة وتسجيل نقاط في العلاقات العامة. عندما يتعلق الأمر بالدفع والتحفيز، سيُنسّق روحاني والحرس من خلال مكتب المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. لا يريد خامنئي الدور القيادي لنفسه لأنه لن يخرج أي شيء جيد من التعامل مع أزمة الفيروس، لكنه لن يسمح لها أيضاً أن تصبح أزمة نظام كاملة حول التنافس على القيادة.

ومع ذلك، فإن الردود المختلفة من قبل الفصائل المتعددة داخل النظام لها رسالة عميقة حول قدرة طهران في المدى الطويل على العودة إلى المجال الرئيس العالمي. في الوقت الذي شرع وزير الخارجية محمد جواد ظريف في الضغط من أجل الدعم الدولي لطهران للحصول على قرض طارئ بقيمة 5 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، فإن أصوات اليمين المتطرف في إيران مشغولة بتصوير أي تفاعل مع المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي أو منظمة الصحة العالمية كركوع للمصالح الغربية وبيع المُثُل الإسلامية المُتشدّدة للنظام.

بقاء الوضع “ثورياً” أو أن يصبح “طبيعياً”؟

هذه الحقيقة المُتمثّلة في الإضطرار إلى الإنخراط في شد الحبل حول نوع العلاقة التي ينبغي أن تكون مع المنظمات الدولية أصبحت المعيار في إيران تقريباً. على سبيل المثال، لا يختلف الأمر عن المعركة الكبرى في السنوات الأخيرة في طهران حول ما إذا كان ينبغي على البلاد الإلتزام بمعايير مجموعة العمل المالي (فاتف) (Financial Action Task Force) أم لا. في شباط (فبراير)، بعد ثلاث سنوات وست جولات من المواعيد النهائية لطهران للوفاء بمعايير مكافحة الإرهاب ل”فاتف”، تمت إضافة إيران إلى القائمة السوداء للمنظمة.

بالنسبة إلى حكومة روحاني، فهي تعرف أن الالتزام بمعايير مجموعة العمل المالي أمرٌ مهم: ما لم تفعل إيران ذلك، فإن علاقاتها المصرفية والتجارية الدولية ستتقوّض لأن الشركاء الأجانب سيكونون أقل رغبة في التعامل مع الكيانات الإيرانية. حتى روسيا والصين، وهما بالكاد مؤيّدتان للعقوبات الأميركية على إيران، حثتا طهران على الإبتعاد من القائمة السوداء لمجموعة العمل المالي. لكن، كما تم توضيحه مرة أخرى، فإن الرئيس روحاني ليس الصوت النهائي الحاسم في الجمهورية الإسلامية.

يعود هذا الدور إلى المرشد الأعلى آية الله خامنئي، وقد اختار هو والمعسكر المتشدد من حوله تجاهل الإنذارات النهائية لمجموعة العمل المالي. إذا كان روحاني يُشدد على ضرورة حماية العلاقات التجارية الخارجية، فإن خامنئي وأمثاله كانوا أكثر قلقاً بشأن التدقيق من قبل مجموعة العمل المالي وما يعنيه الإلتزام بمعاييرها بالنسبة إلى قدرة طهران على الإستمرار في إرسال الأموال إلى الجماعات الإسلامية المُتشدّدة مثل “حزب الله” في لبنان.

إن لعبة شد الحبل هذه في طهران ليست جديدة وستكون بالتأكيد عاملاً حيث تتعامل إيران مع تأثير أزمة فيروس كورونا. على سبيل المثال، في حين أن وزير الخارجية ظريف يلوم العقوبات الأميركية لضعف قدرة إيران على التعامل مع الأزمة، وهو ما قد يكون صحيحاً، فإن الحقيقة الأكثر وضوحاً هي أن الرد الرافض لطلب حكومة روحاني للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 5 مليارات دولار حتى الآن لم يأتِ من واشنطن، ولكن من المتشددين في طهران.

المتشددون أنفسهم الذين خرّبوا جهود إيران لعدم وضعها على القائمة السوداء من قبل مجموعة العمل المالي (فاتف) يصفون الآن طلبها لقرض من صندوق النقد الدولي بجهد يائس آخر من قبل حكومة روحاني “المهووسة بالغرب”. إيران ليست الدولة الوحيدة التي عانت من هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة. إن ما يبرز حول رد فعلها، أكثر من أي شيء آخر، هو أنها تعرض المعركة الجارية في طهران حول نوع العلاقة التي يجب أن تكون بين البلاد والعالم الخارجي.

لكي تدخل نادي الأعضاء الصالحين والجيدين لدى المنظمات الدولية، مثل “فاتف” أو صندوق النقد الدولي، تتطلب العملية ذات الإتجاهين الكثير من الأخذ والعطاء. لطهران كل الحق في تلقي الدعم المالي من صندوق النقد الدولي أو المساعدة من منظمة الصحة العالمية، مثل أي دولة أخرى تأثرت بالفيروس ومحاولة التعامل مع عواقبه. في كل الأحوال نأمل أن تدفع هذه الأزمة الجمهورية الإسلامية نحو نهج أقل انفصاماً تجاه العالم الخارجي. بعد كل شيء، فإن الفكرة القائلة بأن الجمهورية الإسلامية يُمكن أن تكون دولة “طبيعية” ودولة “ثورية متشددة” في الوقت عينه قد تم فضحها.

  • أليكس فاتانكا هو زميل كبير ومدير برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وجهات النظر المعروضة في هذه المقالة هي خاصة به.
  • كُتبت هذه المقالة بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى