التكاليف الإقتصادية لاحتواء وباء كورونا

على الرغم من أن وباء كورونا هو في الدرجة الأولى حالة صحية عالمية طارئة، فإن آثاره الإقتصادية ضخمة على مستوى العالم.

كورونا في الصين: لم يؤدِّ إلى خسائر إقتصادية ضخمة محلية حتى الآن ولكن…

 

بقلم كيمبرلي آن إليوت*

وباء كورونا هو أولاً وقبل كل شيء حالة صحية عالمية طارئة، لكن آثاره الإقتصادية كبيرة جداً – من بينها وأهمها إنهيار وإغراق أسواق الأسهم والتهديد بدفع الإقتصاد العالمي إلى الركود.

كانت الصدمة الإقتصادية في الصين، حيث نشأ التفشّي، متواضعة نسبياً في البداية، حيث فرضت السلطات أخيراً هناك – بعد محاولتها في البداية قمع أي أنباء عن وباء – تدابير احتواءٍ صارمة أغلقت أجزاء كبيرة من الإقتصاد وتعطّلت سلاسل التوريد عالمياً. لكن هذه الصدمات نمت بسرعة حيث انتشر الفيروس حول العالم واتخذت الدول خطوات جذرية لمحاولة احتوائه. في خضم هذه الأزمة، كانت التجارة الدولية في السلع والخدمات من جهة بمثابة وسيلة لنشر فيروس كورونا (COVID-19) – الرحلات البحرية وغيرها من السفر الدولي على وجه الخصوص – وضحية من هذا الانتشار من جهة أخرى. وتامل الحكومات من الإجراءات الصارمة التي تتخذها الآن لإغلاق المدارس وأماكن التجمع الأخرى أن تؤدي إلى إبطاء معدل الإصابة، ولكن التكلفة الاقتصادية ستكون مرتفعة.

ولأن ذروة تفشّي المرض في الصين تداخلت مع السنة القمرية الجديدة، كانت آثاره على السواء أكثر وأقل حدة مما كان يجب أن تكون. بالنسبة إلى المطاعم والشركات الصغيرة الأخرى التي تعتمد بشدة على الأنشطة المتعلقة بالعطلة، كانت عواقب إجراءات الحجر الصحي شديدة بشكل خاص. عادة ما يتم إغلاق القطاعات الصناعية الرئيسة لفترة حول السنة القمرية الجديدة للسماح لقوة العمل الكبيرة من المهاجرين بالعودة إلى منازلهم لقضاء العطلة. لذلك ربما كان تعطيل التجارة وسلاسل التوريد أقل قليلاً مما قد يكون عليه الأمر في أوقات أخرى.

ومع اتضاح شدة الوباء، قامت السلطات الصينية بتوسيع القيود المفروضة على السفر وأنشطة العمل إلى ما بعد فترة الأعياد التقليدية. عانت سلاسل التوريد العالمية بسرعة من درجات متفاوتة من الإضطراب، وذلك حسب مدى اعتمادها النسبي على الموردين الصينيين. وقد تضررت قطاعات السيارات والإلكترونيات بشكل خاص، حيث اضطرت شركة هيونداي، على سبيل المثال، إلى تعليق الإنتاج في كوريا الجنوبية لفترة من الوقت لأنها لم تستطع الحصول على قطع غيار صينية. وقال منتجو سيارات آخرون، بما في ذلك في الولايات المتحدة، إن نقص قطع الغيار والأجزاء يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ إنتاجي أو توقفات إضافية. كما أن شركة آبل تواجه ضربة مزدوجة: إغلاق عمليات التجميع في الصين الذي أثر على إنتاجها وهبوط المبيعات في الصين أيضاً بشكل كبير.

يبدو أن معدل الإصابات الجديدة يتباطأ في الصين وبدأت المصانع في إعادة فتح أبوابها، ولكن ببطء، وسيستغرق الأمر بعض الوقت للعودة إلى أي وضع طبيعي. إحدى نتائج الاضطرابات الاقتصادية هي أن الصين لن تتمكن على الأرجح من الوفاء بالتزامات الشراء بموجب “المرحلة الأولى” من إتفاقية التجارة التي وقعتها مع الولايات المتحدة في العام الفائت. ولكن حتى في أفضل الظروف، كانت أهداف الشراء للصفقة عالية بشكل غير واقعي. يمكن أن يوفر الوباء على الأقل عذراً للرئيس دونالد ترامب لتجنّب استئناف الحرب التجارية.

يوجد في إيطاليا الآن أكبر عدد من الإصابات والوفيات من الفيروس خارج الصين. مع تهديد الوباء بإرباك نظامها الصحي، أغلقت البلاد إقتصادها بالكامل. وحذت حذوها فرنسا وإسبانيا بعد ذلك بأيام قليلة وأمرتا بإغلاق الشركات “غير الضرورية”، بما في ذلك المقاهي والمطاعم. قالت منظمة الصحة العالمية يوم الجمعة الفائت (13/03/2020) أن أوروبا هي الآن مركز هذا الوباء، على الرغم من أن الفيروس مستمر في الانتشار في جميع أنحاء العالم وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة. مع تأخر التوجيه الفيدرالي الأميركي وعدم اتساقه، على أقل تقدير، تتولى الإدارات المحلية وحكومات الولايات والقطاع الخاص الأميركي القيادة، وتغلق المدارس بشكل متزايد وتلغي الدورات والمباريات الرياضية الكبرى وغيرها من الأحداث الكبيرة. بعض حكام الولايات إما يحثّون أو حتى يطلبون إغلاق الحانات والبارات والمطاعم.

السفر والسياحة، اللذان يُمثّلان حوالي 10 في المئة من جميع الصادرات في السلع والخدمات لكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يتعرّضان لأكبر ضربة إقتصادية فورية ومباشرة من الوباء. في حين كانت مُتخلّفة في استجابتها في جميع المجالات الأخرى تقريباً – ولا سيما اختبار ومراقبة انتشار الفيروس – كانت إدارة ترامب متشددة في تقييد السفر الدولي، أولاً من الصين وأخيراً من أوروبا. ويعتقد العديد من الخبراء أن الإعلان الأخير جاء مُتأخّراً جداً ليفعل الكثير من الخير. الطريقة التي تمّ بها ذلك، مع ارتكاب ترامب أخطاء متعددة حول قيود السفر الأوروبية في خطابه من المكتب البيضاوي في الأسبوع الماضي، خلقت قدراً كبيراً من الإرتباك والذعر. وأعقبت ذلك اختناقات كبيرة في المطارات الأميركية، حيث انتظر آلاف المسافرين في أماكن قريبة ومتقاربة لساعات في قاعات الهجرة المكتظة، مما قد عرّض الكثير من الأشخاص للفيروس.

وصحّح البيت الأبيض بسرعة تصريحات ترامب الخاطئة بشأن حظر السفر الأوروبي، والتي قال إنها ستشمل جميع المسافرين من أوروبا وستغطي أيضاً البضائع. لكن، مع ذلك، سيؤثر الحظر في التجارة. إن منع طائرات الركاب التي تكون عادة مليئة بالشحن، والإنخفاض الكبير في عدد الركاب والرحلات عبر المحيط الأطلسي سيقلل من قدرة الشحن الجوي ويرفع تكلفته. حتى في الوقت الذي تعاني فيه صناعة الرحلات البحرية وشركات الطيران والفنادق والمطاعم والعناصر الأخرى في صناعة السياحة والترفيه من الألم الإقتصادي الأكثر إلحاحاً، كلما ازدادت عمليات الإغلاق وطالت مدته، كان التأثير الاقتصادي أعمق. سيفقد الناس وظائفهم، وقد تضطر بعض الشركات الصغيرة إلى الإغلاق بشكل دائم وسوف ينتشر انخفاض الطلب إلى الشركات الأخرى. ستعاني الحكومات المحلية التي تعتمد على السياحة أو تستضيف الفرق الرياضية الكبرى بالدوريات من خسائر في الإيرادات عندما تحتاج إلى زيادة الإنفاق على الصحة العامة.

في أواخر الأسبوع الماضي، توصلت رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى اتفاق مع وزير الخزانة ستيفن منوشين حول حزمة تشريعية أولية تُركّز في المقام الأول على مساعدة الأشخاص الأكثر تضرراً من الوباء. بموجب هذا الإتفاق سوف يتم التنازل عن تكاليف إجراء الاختبار الصحي، وتوفير إجازة مرضية مدفوعة الأجر لأولئك الذين يصابون بكورونا – ولكن ليس كما يريد الديموقراطيون، حيث سيتم تغطية 20 في المئة فقط من العمال بالفعل – وتوسيع التأمين ضد البطالة والمساعدة الغذائية من أجل أولئك الذين يخسرون الدخل. على الرغم من إلحاحية الوضع، سمح زعيم الغالبية الجمهورية ميتش ماكونيل لأعضاء مجلس الشيوخ بأخذ عطلة نهاية الأسبوع المعتادة التي تستغرق ثلاثة أيام. ويُقال إن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يرفضون الآن بند الإجازة المرضية المدفوعة وقد يوقفون مشروع القانون.

يطالب مجتمع الأعمال البيت الأبيض بتخفيض بعض التعريفات الجمركية على الواردات من الصين كوسيلة لتوفير الإغاثة للمستهلكين وتعزيز الطلب الاقتصادي. قامت الإدارة بتخفيض التعريفات الجمركية على بعض الإمدادات الطبية الرئيسة من الصين، لكن الصقور التجاريين، مثل مستشار البيت الأبيض بيتر نافارو، يصرون على أن تخفيف التعريفات الأوسع نطاقاً لن يتم النظر فيه. إن تخفيض التعريفات ربما لن يفعل الكثير لتحفيز الاقتصاد أثناء الوباء؛ لا يبدو أن الناس يتسوّقون ما هو أبعد من البقالة ومعقم اليدين وورق التواليت.

الأولوية الآن هي وقف انتشار فيروس كورونا واتخاذ خطوات لتخفيف آثاره الاقتصادية. من المرجح أن تكون معظم الآثار التجارية للوباء، إلى جانب الآثار الاقتصادية الأوسع إذا استجابت الحكومات بفعالية، قصيرة الأجل. لكن البعض لن يكون كذلك. جاءت اضطرابات سلسلة التوريد الناجمة عن تدابير الاحتواء في الصين على رأس الحرب التجارية لترامب وضد الاتجاه الأطول المتمثل في ارتفاع الأجور في الصين. وبالتالي يمكن للوباء تسريع الجهود التي تبذلها العديد من الشركات بالفعل لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها وتقليل الاعتماد على الصين. سيكون ذلك على الأقل تطوراً صحياً واحداً للاقتصاد العالمي.

  • كيمبرلي آن إليوت هي باحثة زائرة في معهد جامعة جورج واشنطن للسياسة الاقتصادية الدولية، وزميلة زائرة في مركز التنمية العالمية. يُمكن متابعتها على تويتر: @KimAElliott
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعربه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى