إستراتيجية دونالد ترامب تجاه إيران لا تزال مُجرّد ثأرٍ ضدّ باراك أوباما

يبدو لغالبية الخبراء والمتابعين في الشرق الأوسط أنه ليست لدى دونالد ترامب وإدارته أي استراتيجية تجاه إيران سوى الثأر للسياسة الخارجية التي انتهجها باراك أوباما، ويؤكد هذا الكلام أنه ليست هناك أي مبادرة من البيت الأبيض تجاه طهران للتفاوض أو إيجاد أيّ حل حتى الآن.  

 

باراك أوباما: إنجازاته ولدت عقدة نفسية لدى دونالد ترامب

 

بقلم كيمبرلي آن إليوت*

منذ أن سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من الصفقة الدولية المُصمَّمة لمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، فإن الوقت الذي قد تستغرقه طهران لصنع مثل هذا السلاح، إذا اختارت ذلك، قد انخفض من أكثر من عام إلى بضعة أشهر فقط. صار لدى العالم الآن وقت أقل بكثير للرد إذا حدث ذلك – وليست هناك خيارات جيدة للإستجابة.

بعدما أعادت واشنطن فرض العقوبات الإقتصادية من جديد، مما أثار غضب حلفائها، وطالبت إيران ببذل المزيد من الجهد لتغيير سلوكها، لم تُجرَ أي مفاوضات جديدة ولم يكن هناك أي وضوح بشأن ما تريده إدارة ترامب بالضبط من الجمهورية الإسلامية. إذا كان هناك أي شيء، فإن حملة “الضغط الأقصى” لم تؤدِّ إلّا إلى تعزيز المُتشدّدين في طهران.

لمدة عام بعد انسحاب ترامب من الإتفاق النووي، حاول الإتحاد الأوروبي الحفاظ على “خطة العمل الشاملة المشتركة”، أو الإتفاق النووي مع إيران كما تُعرَف الصفقة، في حين واصلت طهران الإمتثال لأنها كانت تنتظر معرفة ما إذا كان الإتحاد الأوروبي يُمكنه أن يجد وسيلة لتخفيف تأثير العقوبات الأميركية الجديدة. عندما أصبح من الواضح أن تهديد واشنطن بمعاقبة أي شركة تتعامل مع طهران كان أكثر إلحاحاً من رغبة الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على العلاقات مع إيران، تراجعت صادرات النفط الإيرانية وغيرها من التجارة بشكل كبير وتراجع امتثال الجمهورية الإسلامية لشروط الإتفاق النووي.

حتى الآن، كان رد فعل الحكومة الإيرانية على تراجع ترامب عن الصفقة مدروساً. لا يُمكن الرجوع عن، أو عكس، أيٍّ من الخطوات لاستئناف الأنشطة النووية أو تصعيدها. ولم تنسحب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كما فعلت كوريا الشمالية في العام 2003 عندما قررت الإنسحاب وصنع الأسلحة النووية. والأهم من ذلك، إستمرت إيران في السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشآت النووية المشمولة بالإتفاق.

لكن استمرار الجمود – أو تجدد التوترات العسكرية – يُمكن أن يُغيّر رغبة طهران في إظهار ضبط النفس هذا. وفي تطور مثير للقلق، أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أخيراً أعضاءها أن مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب تجاوز ألف كيلوغرام، وهو ما يكفي لصنع سلاح نووي واحد إذا تم تخصيبه إلى مستويات أعلى. في ظل “خطة العمل الشاملة المشتركة”، قامت إيران بنقل 97 في المئة من مخزونها من اليورانيوم – وهو ما يمكن أن يكون كافياً لصناعة أكثر من عشرة أسلحة – خارج البلاد واحتفظت بمخزونها بما لا يزيد عن 300 كيلوغرام. قال ديفيد أولبرايت، خبير منع الإنتشار النووي ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي، لصحيفة نيويورك تايمز إنه يُقدّر أن الأمر سيستغرق من إيران من ثلاثة إلى أربعة أشهر فقط للوصول إلى مستويات التخصيب لسلاح نووي إذا أرادت “سباقاً من أجل قنبلة”.

علاوة على ذلك، فإن التحليل الأخير للوثائق التي سرقها الجواسيس الإسرائيليون من إيران قد أثار مخاوف جديدة بشأن مدى قرب طهران من امتلاك القدرات التكنولوجية الأخرى اللازمة لصنع سلاح نووي. خلصت وكالات الاستخبارات الأميركية إلى أن إيران تخلت عن خطط تطوير أسلحة نووية في أوائل العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بعد الغزو الأميركي للعراق المجاور. لكن الوثائق المسروقة تكشف عن تفاصيل جديدة حول مدى تقدم تلك الأنشطة والمرافق غير المعلنة التي حدثت فيها. يريد المفتشون الدوليون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية الوصول إلى تلك المنشآت حتى يكون لديهم صورة أكمل لقدرات إيران، لكن الحكومة ترفض حتى الآن التعاون.

لا شك أن القيادة الإيرانية تتعرّض لضغوط متزايدة. لقد أدّت العقوبات المُتجددة إلى خفض صادرات النفط الإيرانية بشكل حاد، مما يفرض ألماً شديداً على اقتصاد يُعاني أصلاً. ويتسبب تفشي فيروس كورونا الآن في خسائر اقتصادية، حيث أدّت الإستجابة الفاشلة إلى تقويض ثقة الجمهور في الحكومة. كما لو أن كل هذا لم يكن كافياً، فإن فقد انحسر الإرتفاع الأولي لمشاعر الحشد حول العلم الذي عرفته البلاد بعد قتل الولايات المتحدة لقائد “فيلق القدس”، الجنرال قاسم سليماني، في غارة جوية بطائرة بدون طيار في بغداد في أوائل كانون الثاني (يناير)، وبدلاً من التضامن مع النظام، كان هناك غضب واسع النطاق عندما حاولت الحكومة التستر على حقيقة أن فيلق الحرس الثوري الإسلامي أسقط بطريق الخطأ طائرة ركاب أوكرانية فوق طهران بعد شن ضربة صاروخية انتقامية على قواعد عسكرية في العراق تضم القوات الأميركية.

وكان رد السلطات على هذا الضغط حتى الآن هو سحق المُنشقّين وقمع المعارضة. ومن خلال استبعاد آلاف المرشحين المعتدلين قبل الانتخابات البرلمانية في شباط (فبراير)، تمكّن المُتشدّدون أيضاً من تعزيز سيطرتهم على الهيئة التشريعية، حيث يشغلون الآن أكثر من ثلثي مقاعدها.

إذاً ما هو التالي؟ ما لم يكن الهدف محدوداً ومتواضعاً، فإن العقوبات الاقتصادية تعمل بشكل أفضل كأداةٍ للمساومة – أي حَمل النظام المُستَهدَف على اتخاذ خطوات مطلوبة في مقابل وعود واضحة وموثوقة بتخفيف العقوبات. هذا ما حدث مع “خطة العمل الشاملة المشتركة”. ويُظهر التاريخ أنه حتى أكثر العقوبات صرامة، مثل تلك التي كانت مفروضة سابقاً ضد إيران بموجب قرار مجلس الأمن الدولي الذي مهّد الطريق للمفاوضات النووية، نادراً ما تُجبر على الإستسلام الكامل للمطالب.

لا تزال إدارة ترامب تدّعي أنها على استعداد للدخول في مفاوضات مع إيران، لكن أفعالها توحي بخلاف ذلك. لم يقترب أحد في الإدارة من تحديد ما ستحتاج إيران إلى القيام به لرفع العقوبات. وبدلاً من ذلك، يقول المسؤولون فقط إن حملة “الضغط الأقصى” ستُخفَّف إذا تصرفت إيران مثل “دولة طبيعية” ، مما يشير إلى أن الهدف الحقيقي هو تغيير النظام. إذا فسرت القيادة في طهران المطالب الأميركية بالمثل، فلن يكون لديها حافز لتقديم أي تنازلات لأنها تعرف أن المطلوب هو الإستسلام الكامل لرفع العقوبات.

سببٌ آخر للإرتباك هو أنه، بدلاً من أن يعكس رؤيةً مُتماسكة للسياسة الخارجية للشرق الأوسط، فإن انسحاب ترامب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” تمّ بشكل رئيس خارج أي رؤية. لقد تخلى عن الصفقة، على ما يبدو، في المقام الأول لأنه كان الإنجاز الرئيس للسياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما. عارض ترامب الاتفاق النووي خلال حملة 2016 الرئاسية، واصفاً إياه بأنه “أسوأ صفقة على الإطلاق”، لكنه لم يتطرق إلى حقيقة أن إيران كانت في حالة امتثال. إنسحب منه بعد أكثر من عام بقليل من توليه منصبه، ولكن دون أي خطة واضحة لما يجب أن يحدث بعد ذلك.

كل هذا يُردّد ويعكس نهج ترامب تجاه سياسات أوباما الأخرى، بما فيها مبادرة السياسة المحلية المميزة، قانون الرعاية الصحية المعروف ب”أوباما كير”. نقص ترامب والجمهوريين في الكونغرس صوتٌ واحد بعد اقتراع دراماتيكي في مجلس الشيوخ لإلغاء قانون الرعاية الصحية خلال عامه الأول في منصبه. ومنذ ذلك الحين، قوّضت إدارته تطبيق القانون وانضمت إلى قضية قانونية رفعها مسؤولون حكوميون جمهوريون يطعنون في دستوريته. تبنى ترامب الآن أجزاء من قانون الرعاية الصحية التي تحظى بشعبية لدى الناخبين – مثل البند الذي يمنع شركات التأمين من رفض تغطية الأشخاص الذين يعانون من حالات موجودة مسبقاً – ولكن من دون أن يبدو أنه يفهم كيف يعمل القانون بالفعل أو يقترح أي بديل ملموس.

المشكلة بالنسبة إلى الأميركيين والإيرانيين هي أن مجرد إلغاء مبادرة عهد أوباما ليس في حد ذاته استراتيجية. في حالة إيران، بدا نهج ترامب العشوائي على وشك التصعيد لفتح نزاع عسكري بعد مقتل سليماني في أوائل كانون الثاني (يناير) قبل أن يتراجع كلا الجانبين عن حافة الهاوية. في الوقت الحالي، تشتت انتباه الحكومات حول العالم بسبب تفشي فيروس كورونا المتزايد. ولكن من المرجح أيضاً أن تواصل إيران إعادة بناء برنامجها النووي تدريجاً، وقد يكون من الصعب إخراج هذا الجن من الزجاجة في المرة الثانية.

  • كيمبرلي آن إليوت هي باحثة زائرة في معهد جامعة جورج واشنطن للسياسة الاقتصادية الدولية، وزميلة زائرة في مركز التنمية العالمية.
  • كُتِب هذا الموضع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى