لبنان على حافة الهاوية

بقلم كابي طبراني

منذ تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، غَمَرَت شوارع العاصمة اللبنانية الإحتجاجات ضد الفوضى السياسية والأزمة الإقتصادية و – في الآونة الأخيرة – تَعامُل الحكومة مع فيروس كورونا. لقد أصبح لبنان بلداً على شفا الهاوية. وعلى حد تعبير رئيس الوزراء حسان دياب، فإن البلاد “تغرق في الديون”. ويوم السبت الفائت (07/03/2020)، أعلن دياب رسمياً أن لبنان سيتخلّف عن سداد قيمة سندات اليورو المُستحقّة اليوم (09/03/2020) البالغة 1.2 مليار دولار.

هذا الخبر يُسجِّل المرة الأولى في تاريخ لبنان التي تفشل فيها الدولة الساحلية التي كانت مزدهرة ذات يوم، والتي تُعدّ الآن ثالث أكبر بلدٍ مدين في العالم، في سداد دائنيها. ومع ذلك، في بلدٍ حيث يتمّ توجيه نصف إجمالي الإنفاق الحكومي نحو سداد الديون، لم يكن إعلان دياب مُفاجئاً.

الواقع أن الإقتصاد اللبناني يستمر يومياً بالتأزم حيث وصلت الأزمة إلى مستويات غير مسبوقة. ومنذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، أدّى نقص العملة الأجنبية إلى تخفيض قيمة الليرة اللبنانية في السوق السوداء بأكثر من 60 في المئة. علاوةً على ذلك، يُقدر البنك الدولي أن الفقر قد يرتفع إلى 50 في المئة، إذا استمرت البلاد في مسارها الحالي.

لقد أطّرت حكومة “الإنقاذ الوطني” – المدعومة من “حزب الله” – التخلّف في سداد الدين كتدبيرٍ جريء وشجاع لإنقاذ الشعب اللبناني.

في الحقيقة، إن فشل القيادة المسؤولة لدى “حزب الله” هو الذي ساهم أكثر من أي شيء آخر في وضع لبنان في الزاوية التي يجد نفسه فيها الآن. ليس لدى بيروت خيار سوى التخلّف عن السداد، بعدما اتخذت على مدى السنوات الماضية العديد من الخيارات التي أدّت إلى هذه النقطة، بما في ذلك الإفراط في الإقتراض، والإخفاقات في قمع الفساد المُتفشّي، وقبول هيمنة “حزب الله” على مسار البلاد. إن القرار الأخير مؤلم بشكل خاص، حيث أن “حزب الله” – حتى عندما يكون في السلطة – يواصل التنافس مع الدولة من أجل السلطة، كما أن احتضان الحكم للحزب وتأييد سياساته هما السبب الرئيس لتردد الدول الغربية في تزويد لبنان بأي مساعدة إضافية.

وفي الوقت نفسه، تم بذل القليل من الجهد من قبل الحكومات المتعاقبة لتنويع الإقتصاد المُتقلّص الذي يعتمد بدرجة كبيرة على الخدمات والتحويلات. ويتوقع الخبراء بأن يشوّه التخلّف عن الدفع أيضاً سمعة لبنان كمُقتَرِضٍ حتى أكثر مما هو الوضع عليه الآن.

مع استمرار الأزمات وتفاقمها، يتصاعد الغضب الشعبي الذي يتجسّد بخروج الناس إلى الشوارع للتعبير عن استيائهم الشديد. لقد أثبت رئيس الوزراء وأعضاء حكومته الجديدة أنهم غير مُرتَبكين من الفوضى التي أحدثها داعموها. وبينما وعد دياب بإطلاق برنامج إصلاحات واسع النطاق لوضع لبنان على طريق الإنتعاش الإقتصادي، فقد فشل مجلس وزرائه في تضمين أي تدابير لمعالجة الأزمة في موازنته السنوية أو السعي إلى إنقاذٍ من صندوق النقد الدولي – وهو خيارٌ يرفضه “حزب الله”.

يحتاج لبنان إلى إصلاحات شاملة، إضافة إلى قادة أكفاء غير فاسدين قادرين على مواجهة “حزب الله” وغيره من المُهَيمِنين على مقدرات الدولة ويعبثون فيها فساداً، من أجل إنقاذ البلاد. لم يُثبت دياب بعد أنه هو وحكومته قادران على التوافق مع هذه المعايير. لقد إعترف رئيس الوزراء نفسه في الأسبوع الفائت بأن الدولة “فقدت ثقة الشعب اللبناني” ولم تعد “قادرة على حمايته”. هذه كلمات مُفزِعة ومُقلقة للمواطنين لسماعها من قادتهم. لكن ما فشلوا في التقاطه هو أنه طالما ظلّ نظام لبنان رهينة لقوة تضرّ بمصالحه، ك”حزب الله”، فإن الدولة نفسها مُهدَّدة وغير قادرة على المضي قُدُماً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى