صفوف الانتظار الطويل بين باريس وبيروت

بقلم هنري زغيب*

تفاديًا للانتشار “الكوروني” ومسبِّباته وتفاعُلاته، تَقرَّر مطلعَ هذا الأُسبوع إِقفالُ مَتحفِ اللوﭬـر في ﭘـاريس لفترة لم تحدِّدها إِدارتُه، مدعومةً بمادة في الدستور تتيح للمواطن “حق الاستنكاف عن العمل في حالات الخطر الداهم على صحته وحياته”. وجاء في تبرير الإِقفال قرارٌ من وزارة الصحة، إِثْر اجتماع طارئٍ حضره الرئيس الفرنسي، يَمنع أَيَّ تَجَمُّعٍ يزيد عن 5000 شخص في مكان مقفَل. وفي الإِحصاءات الرسمية أَن مَتحف اللوﭬـر يستقبل يوميًّا نحو 30 أَلف زائر يتجوَّلون في أَرجاء قاعاته خلال ساعات الدوام. وهو سجَّل العام الماضي (2019) 9 ملايين و600 أَلف زائر من جميع بلدان العالم.

عن مسؤُول في نقابة الموظفين البالغين 300 رجل وامرأَة، حجةُ احترازهم من الاحتكاك بالزوَّار عن قُرب: عند شباك التذاكر، عند مرافقة الأَدلَّاءِ زوَّارَ القاعات، عند أَكشاك بيع الكتب والمنشورات داخل الـمَـتحف. وهم ينتظرون قرار وزارة الثقافة التي احتشدَت فيها اجتماعاتٌ متتالية لتدارُس الوضع في سائر المعالم الثقافية على أَرض فرنسا.

عند الإِعلان عن الإِقفال، صباحَ السبت الماضي، كان في الانتظار صف طويل من نحو 400 زائر، بعضُهم يضع كمَّامات، فوجئُوا بالقرار بعد انتظارهم ساعاتٍ طويلةً للدخول إِلى الـمَتحف.

ما أَصعب المقارنة في ظاهرة الصف الطويل بين فرنسا ولبنان!

في فرنسا صفٌّ طويل من المنتظرين السُعَداء كي يَدخلوا مَتحفًا، وفي لبنان صفٌّ طويلٌ من المواطنين التُعَساء كي يحصَلوا على حفنة من الدولارات.

في فرنسا صفٌّ طويل من المتهافتين لاكتشاف روائع الفن والحضارة، وفي لبنان صفٌّ طويلٌ من المتهافتين للحصول على تنكة بنزين.

في فرنسا صفٌّ طويل من الآنسين بمشاهدة نتاج الإِبداع رسمًا ونحتًا، وفي لبنان صفٌّ طويلٌ من اليائسين للحصول على ربطة خبز.

في فرنسا للموظف الحقُّ في الاستنكاف عن العمل في وضع شاذ، وفي لبنان ليس للمواطن الحق في الاستنكاف عن الذُل ولو في وضع كلُّهُ شاذّ.

في فرنسا يتقاطر السيَّاح من كل العالم واقفين في صفوف طويلة ليَقرأُوا معالِـمَ صفحات بهيةٍ من التاريخ، وفي لبنان هجَّر السياحَ سياسيون قادوا البلاد مع السنوات الـمُشينة والعقود اللعينة إِلى الإِفلاس والانهيار المالي والاقتصادي.

في فرنسا، كما في معظم دول العالم، يعمَل رجال الدولة على تأْمين مستقبلٍ أَفضلَ لبلادهم، وفي لبنان يعمَل رجال السياسة على مستقبل أَفضلَ لمصالحهم، فتنطبق عليهم مقولة المفكِّر الأَميركي جيمس فريمان كلارك (1810 – 1888): “رجُل السياسة هاجسُه حسابات الانتخابات المقبلة، ورجُل الدولة هاجسُه نجاحاتُ الأَجيال المقبلة”.

وبين الصف الطويل في فرنسا والصف الطويل في لبنان يكمُن الفرق الصارخ بين بلدٍ يَـحْكُمُه رجالُ دولة، وبلدٍ يَتَحَكَّم به رجال سياسة.

 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني:  

email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه: www.henrizoghaib.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى