كيف يُمكِن للولايات المتحدة تجاوز “حزب الله” ومساعدة الشعب اللبناني

يُمكن للأميركيين تقديم مساعدة مالية واقتصادية مُستهدفة ومُوَجّهة من خلال صندوق مالي دولي مع الإستمرار في الضغط على الطبقة السياسية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

 

“حزب الله”: حجر عثرة أمام أي حل دولي للبنان

بقلم بلال صعب*

مع اقتراب لبنان من نقطة الإنهيار بسبب أزمته المالية والإقتصادية الحادة، تُواجه إدارة دونالد ترامب معضلة سياسية: إما أن تدعَم مالياً فصيلاً حاكماً فاسداً مُتحالفاً مع “حزب الله” – صديق إيران وعدو واشنطن – أو يجب أن تمتنع عن المساعدة ومراقبة البلد ينهار؟

كلا الخيارين مشكلة ولكن هناك بديلاً أفضل.

يُمكن للولايات المتحدة أن تمنع انهيار لبنان مع الاستمرار في الضغط على “حزب الله” وحلفائه لتنفيذ إصلاحات جادة. يُمكن أن تفعل ذلك من خلال التنسيق مع الحكومات الخليجية والأوروبية بشأن مساعدة اقتصادية متواضعة ومشروطة وموجّهة يستفيد منها أفراد المجتمع اللبناني الأكثر ضعفاً. إن مثل هذه المساعدات، التي سيتم إيداعها في صندوق مالي دولي، ستُوفّر الغذاء والدواء ولكنها ستُطلق أيضاً العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي ستُشرف عليها المنظمات غير الحكومية المحلية بدقة تحت رقابة الهيئات الدولية.

لن تؤدي مشاريع تنمية المجتمع المحلي المؤثرة على الفور إلى إصلاح الإقتصاد الذي يعاني من مجموعة من الأمراض الهيكلية، ولكنها ستساعد أولئك اللبنانيين الأكثر احتياجاً.

على الرغم من محدودية ذلك، فإن هذا هو أفضل أسلوب تتبعه واشنطن في المدى القصير نظراً إلى أن الحل الأكثر شمولاً – ألا وهو الإلتزام اللبناني ببرنامج إصلاح شامل وموثوق به – ليس مُتاحاً في أي وقت قريب. ذلك لأن هناك انقسامات اجتماعية وسياسية عميقة في البلاد، وكذلك خلافات حول طبيعة الأزمة والطريق إلى الأمام. بعض الناس يرغب في عقد اجتماعي جديد لا يستند إلى الطائفية، في حين يريد آخرون الحفاظ على الوضع الراهن والتمسّك بالإصلاح.

ثم هناك “حزب الله”، القوة السياسية المهيمنة في البلاد الذي يُعارض التغيير الحقيقي، وبالتالي يمنع أي طريق للإنتعاش.

وأي عملية إصلاح تسعى إلى القضاء على الفساد وتعزيز الحكم الرشيد ستُضعِف نظام المحسوبية عبر الطائفي ل”حزب الله” – وبالتالي سيطرته على السياسة. كما ستحدّ من وصوله إلى الأسلحة ومصادر الإيرادات غير القانونية التي تصل إليه عبر الحدود اللبنانية – السورية والمطار الوطني وموانئه البحرية. لهذا السبب، على الرغم من أنه لا توجد مشكلة مع تقديم صندوق النقد الدولي المشورة الفنية للحكومة اللبنانية، فإنه ليست لدى الحزب مصلحة في أي حزمة مساعدات قد تفرض الشفافية وتدابير المساءلة.

طالما أن “حزب الله” لديه القدرة على الإعتراض على أي حزمة إصلاح دولية لا يحبّها، فإن لبنان ككل عالقٌ في فساد اقتصادي يفقده توازنه بسرعة.

لحماية مصالحها في لبنان والمنطقة، ينبغي على واشنطن بالتالي إدراك هذه الحقائق ومحاولة حلّها. بينما قد يكون من المعقول والمفهوم بشكل بارز للولايات المتحدة ربط المساعدات الإقتصادية – سواء بشكل مباشر أو من خلال صندوق النقد الدولي – بتنفيذ بيروت للإصلاحات الهيكلية، إلا أن عليها تُجنّب إنهيار الدولة.

إن انحدار لبنان إلى الفوضى، وهي مسألة وقت فقط في غياب المساعدة الدولية، ليس بالأمر المُضحك. كما أنه سيضرّ بالمصالح الأميركية.

لنبدأ ب”حزب الله”. إذا كانت المجموعة الشيعية تطرح مشاكل للولايات المتحدة الآن، تخيّل مدى سوء تلك المشاكل إذا أصبح لبنان دولة فاشلة. إن التاريخ يُقدّم دروساً مفيدة.

ظهر “حزب الله” في العام 1982 في خضم حرب أهلية شرسة واحتلال إسرائيلي. مع كل تحدّ وجودي واجهه منذ ذلك الحين، بما في ذلك المواجهة المُدمّرة مع إسرائيل في العام 2006 والحرب الأهلية السورية المُستمرّة التي اندلعت في العام 2011، زادت قوته وهيمن أكثر. إن “حزب الله” يستفيد أكثر من الفوضى في لبنان لأنه لن يتمكن أي فريق محلّي من تحدّي تفوقه العسكري وهيمنته السياسية.

إذا قام “حزب الله” بنشر أجنحته في لبنان، فمن المرجح أن يُشعل معارضة كبيرة من المتطرفين السنّة من جميع أنحاء المنطقة. هذه وصفة لعودة تنظيم “داعش”، والذي سيستخدم البلاد كقاعدة لعمليات ضد مصالح اميركا وحلفائها. لقد فعل ذلك في سوريا وليس هناك سبب يمنعه من القيام بذلك في لبنان. في مواجهة الصراع الطائفي، فإن الجيش اللبناني إما أنه سيقف جانباً أو يتفكّك، مما سيدفع الكثيرين في واشنطن إلى تكثيف دعواتهم لإنهاء المساعدات العسكرية الأميركية. وهذا بدوره سوف يدعو إلى مزيد من المشاركة الروسية في لبنان، حيث تحرص موسكو على التعامل مع الجيش اللبناني من خلال عروض متعددة للأسلحة والمال. في سياق المنافسة بين القوى العظمى، فإن هذا الأمر سيكون بمثابة نكسة لواشنطن.

ثم هناك إيران. إذا تحسّنت حظوظ وظروف “حزب الله” في لبنان والمنطقة، فستتحسن حظوظ وظروف إيران. تبذل إدارة ترامب كل ما في وسعها لإضعاف طهران وإجبارها على الوصول إلى طاولة المفاوضات. لكن إذا سُمح لإيران بالسيطرة على لبنان من دون منازع، فستكتسب شريان حياة مهماً، وبالتالي ستكون قادرة على مواجهة السياسة الأميركية بشكل أكثر فعالية.

بالنظر إلى حجمها وعمقها، لن يتم حل أيّ مشكلة من مشاكل لبنان في أي وقت قريب. البلد ككل يتطلب الكثير من المعالجة والشفاء. لكن الولايات المتحدة لديها كل الأسباب للحفاظ على موقعها الاستراتيجي في البلاد وشرق البحر الأبيض المتوسط وكذلك مساعدة شعب لبنان على مواجهة شياطينه الطائفية القديمة واتخاذ الخيارات الصعبة.

  • بلال صعب هو زميل كبير ومدير برنامج الدفاع والأمن في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. يُمكن متابعته على تويتر: @BilalYSaab

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى