قصّة عبد المُعين

بقلم راشد فايد*

في 23 آذار (مارس) من العام 2018، خرج البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي من اجتماع مع الرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا، ونَقَل الى وسائل الإعلام، على لسان رئيس الجمهورية، “إن البلد مفلس، ما يعني اننا في حاجة الى الجميع لضبط المال والفساد”.

في المرحلة نفسها، نَقَل “نواب الأربعاء”، عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، تحذيرات من انهيار اقتصادي، كذلك حذّر رئيس الحكومة حينها، سعد الحريري، من إفلاس على نمط ما شهدته اليونان في العام 2015. اللافت في مرحلة هذه التصريحات، أن رئيس الجمهورية لم يترَدّد، في لقاءات وفود، في امتداح الوضع المالي، مُكَرّراً أن الأزمة مُضَخَّمة، وأن الأمور مُقبِلة على تحسّن تدريجي (مع حركة من يديه تؤكّد التدرّج).

هذه الوقائع لا تقبل الدحض لأنها مُوَثّقة في وسائل الإعلام كافة، تماماً كما هو واضح حالياً، ومُوثّق، أن السلطة التنفيذية، المُوزّعة بين بعبدا والسراي الكبير، تبدو متفاجئة بتدهور الحال، ولا تملك سوى اللهاث خلف حلول سرابية لا تجرؤ على انتهاج أيٍّ منها، ما يدفع الى التساؤل: ماذا فعل “العهد القوي”، منذ مطلع 2018 الى اليوم، لإنقاذ البلاد والعباد من الذل المالي؟ لا شيء سوى كلمات لا تفعل سوى الإغراق في البلبلة الوطنية، كاستدعاء أصحاب المصارف للإستفهام منهم عن خروج أموالٍ من لبنان. إستفهامٌ يُشغل اهتمام اللبنانيين بلا طائل. فلبنان، حتى اليوم، بلدٌ يتبنّى الإقتصاد الحر، ولا يُمنَع فيه تحويل الأموال الى أي البلد. فَلِمَ إلهاء الرأي العام عن الأمر؟ وإذا كان من مخالفة مصرفية، فهي في منع الناس من الوصول الى أموالهم لدى المصارف، وهو ما يغضّ المسؤولون من حاكم المصرف المركزي الى بوّاب وزارة المال، الطرف عن لا قانونيته.

ما يجب أن يُرصَد هو المال المنهوب في الإدارات والمؤسسات العامة ككهرباء لبنان والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والمرافئ والمطار، إلى ما لا خاتمة له من وزارات ودوائر شرّعت صناديقها للنهب المؤزر منذ 1975 إلى اليوم، فضجيج أصوات استهجان النهب العام يُغطي غالباً استمرار النهب مع تغيير الناهبين بما يلوّن البلد من عهود، القوي منها كما الضعيف.

تخطو الحكومة إلى نحو أسبوعها العاشر من دون أن يهتدي اللبنانيون ببصيص ضوء إلى ما قد تَنجز، ويُحيي الآمال بنهضة لبنان من كبوته الراهنة، فيما الواقع لا يُشير إلى التفاؤل. كيف ورئيسها، الدكتور حسان دياب، لا ينفكّ يحجب كل أملٍ بإنجازٍ مُمكن، أو وعد بغدٍ أفضل. فخطابه، أمس، في السراي الكبير، أعلن إعدام الدولة، وأنها في حالة ترهّل وضعف إلى حدود العجز، وأن “اللبنانيين قلقون على حاضرهم ومستقبلهم”، إلى آخر ما يثبط التطلع إلى آتٍ أفضل. فما ينتظره اللبنانيون ليس وصف الوضع الذي يعيشون، بل وصف العقار الذي يحتاجون يا دولة الرئيس.

يقول المصريون: “جبناك يا عبد المُعين تَتعين، أتَريك يا عبد المُعين تِتعان”.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي، محلّل سياسي لبناني، وكاتب رأي في صحيفة “النهار اللبنانية. يُمكن التواصل معه على بريده الإلكتروني: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى