عهد حسني مبارك الذي كان يكره المخاطرة أصاب مصر بالكوارث

بقلم تَمارا كوفمان ويتس*

في أول يوم لي كنائبة مُساعِد وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) في إدارة الرئيس باراك أوباما في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، إجتمعتُ مع مديري جيف فيلتمان ونائبه الرئيس رون شليشر. “ما هي أولوياتك في مُهمتك هنا؟” سألاني. قلتُ بأني أريد، من بين أشياء أخرى، مساعدة الإدارة الأميركية في الإستعداد لمرحلة مصر ما بعد الرئيس حسني مبارك.

من خلال تسليطي الضوء على الحاجة إلى الإستعداد لمصر ما بعد مبارك، لم أكن أتوقّع حدوث الثورة التي جاءت بعد عام أو نحو ذلك – كنتُ أبحث فقط في الجداول الإكتوارية. مبارك بلغ عامه ال81. ويحكم مصر من دون مُنازع منذ العام 1981، ولم يُعَيّن أي نائب للرئيس ليخلفه قانونياً بموجب الدستور المصري. ولأن مصر كانت أهم شريك عربي لأميركا، كان هذا الأمر  يُشكّل مشكلة واضحة. كانت مصر بعد مبارك، من منظور تخطيط السياسة الأميركية، فجوة سوداء.

على مدار الأشهر التالية، عَمِلتُ مع زملائي داخل مبنى “هاري س ترومان” لإعداد مذكرة لوزيرة الخارجية آنذاك هيلاري كلينتون حول التخطيط لمصر ما بعد مبارك، ولكن لم نتمكن من إيصال الوثيقة إلى مكتبها بسبب عملية الموافقة والتخليص البيزنطية المتّبعة للمبنى. في هذه الأثناء، كان النشطاء الشباب في مصر هائجين، وكان مبارك مُتعنّتاً بشكل متزايد فيما كان يستعد للإنتخابات البرلمانية لعام 2010.

في أيار (مايو) 2010، على الرغم من الإغراءات الأميركية، جدّد مبارك حالة الطوارئ التي كان يحكم من خلالها منذ اغتيال سلفه أنور السادات. قام حزبه الحاكم بتزوير إنتخابات مجلس الشيوخ في البرلمان بينما منع محاولات الجماعات المدنية المحلية من مراقبة عمليات التصويت. في حزيران (يونيو)، قامت أجهزة الأمن المصرية بسحب شاب، يدعى خالد سعيد، من مقهى للإنترنت في الإسكندرية وضربته حتى الموت في الشارع. أصبح اغتياله قضية مشهورة ومُثيرة للشباب المصريين، مما أدى إلى ظهور صفحة على فايسبوك بعنوان “كلّنا خالد سعيد” تحوّلت إلى مكان ونقطة لتنظيم ما أصبحت إنتفاضة مصرية في العام 2011.

في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، أجرى مبارك انتخابات لمجلس النواب في البرلمان، مرة أخرى مع مستويات من التزوير والترهيب أعلى بكثير من السنوات السابقة. أسفرت النتيجة عن إزالة أي ورقة منافسة من النظام شبه الإستبدادي في مصر: حصل الحزب الحاكم على 473 مقعداً من أصل 508 مقاعد مُنتَخبة، بينما انخفض وجود المعارضة من أكثر من 100 مقعد إلى 31 مقعداً. وفي اجتماعٍ في الشهر التالي، عندما وصف زائرٌ مصري االمشهد المُهين للإنتخابات الوهمية والغضب المتزايد بين المصريين رداً على ذلك، أصغت الوزيرة كلينتون وأشارت عندها إلى أن مبارك كان يخلق بالضبط الوضع الذي كان أكثر ما يُثير قلقه. وبدأت الإحتجاجات بعد حوالي ستة أسابيع، وبعد 18 يوماً من ذلك، إستقال مبارك.

إذا نظرنا إلى الوراء من النظام المصري القمعي الوحشي الذي يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي، فإن حكم الرئيس المخلوع منذ 30 عاماً يبدو أكثر لطفاً وإحساساً بالإحباط من إمكانية غير مُحقَّقة. في العقد الأول من القرن الجاري، واستجابة للضغوط المحلية والدولية، جرّب مبارك إنفتاحاً سياسياً محدوداً في وسائل الإعلام والمجتمع المدني ومنافسة محدودة من الأحزاب السياسية الأخرى (على الرغم من أن نظامه استخدم الحيل القذرة، وقضايا المحاكم، وغيرها من الأدوات لتقييد النتائج). وكما كتبتُ في ملفه الشخصي في العام 2005، حظي مبارك بفرصة بعد 25 عاماً في السلطة لمحاولة وضع نظامه على طريق الإصلاح السياسي التدريجي. لو فعل ذلك (وسمح له مؤيدوه في الجيش)، لكان قد سقط في التاريخ باعتباره أعظم حاكم لمصر في العصر الحديث.

ولكن كما يشير هذا الملف القديم، لم تكن الإيماءات واللفتات الكبرى من خصال مبارك. مع تقدمه في السن وارتباكه في ما يتعلق بنواياه بالنسبة إلى خلافته، أصبح أبناؤه طموحين، وصار زملاؤه الحزبيون جشعين، وباتت قواته الأمنية مُتعجرفة، وأصبح جنرالاته قلقين، وفَقَدَ مواطنوه الصبر. سيعيش المصريون مع تبعات خيارات مبارك لسنوات عديدة بعد وفاته.

  • تمارا كوفمان ويتس هي زميلة كبيرة في مركز سياسة الشرق الأوسط في بروكينغز، حيث تُركز على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وقد شغلت ويتس منصب نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى من تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 إلى كانون الثاني (يناير) 2012، حيث قامت بتنسيق السياسة الأميركية بشأن الديموقراطية وحقوق الإنسان في الشرق الأوسط خلال الإنتفاضات العربية.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى