عمالةٌ والعمل مفقود… وبطالةٌ والبطَل مطلوب!!

بقلم هنري زغيب*

ديترو (Ditrau) قرية صغيرة من 5,500 نسمة على 115 كلم مربعًا شماليَّ مقاطعة هارغيتا في رومانيا، شهدَت الأُسبوع الفائت عريضةً حازمةً وقَّعها 1800 من سكانها رافضين وصول شابَّين سْريلِنكيَّين للعمل في فرن البلدة. ووثَّقوا عريضتهم بأَن نسبة البطالة في البلدة بلغت 2% من مجموع أَهلها وسكانها، ما يشكِّل قلَقًا على الوضع الديموغرافي، خصوصًا أَن نسبة كبيرة من الشبان في رومانيا هاجرت منها طلبًا فُرَصَ العمل في أُوروﭘـا الغربية. حجُّة صاحب الفرن كانت أَنه لم يجد في البلدة عمَّالًا يقومون بالـخَبْز حيال تناقُص اليد العاملة فيها. لكن المُجتمِعِين أَمام مبنى البلدية رفعوا يافطاتٍ مندِّدةً بِذَينِك الغريبَين” لأَن البلدة سمحت بعمالة هذَين الغريبَين ستسمح لسواهما بالعمَل، والوافدون سيستقدمون عائلاتهم، والعائلات تتكاثر، ويتكاثر الأَجانب في البلدة ثم في المقاطعة ثم في البلاد.

يُعلِّمنا التاريخ أَن روما غرقت في الفوضى حين نسبةُ  الغُرباء فيها تعدَّت 6% من أهلها. فما القول عندنا إِذًا، ونسبةُ اليد العاملة في لبنان تعكِس نسبةً مُـخيفةً لغير اللبنانيين من جنسيات مختلفة، فيما البطالة عندنا، خصوصًا منذ انفجار الأَزمة الحالية، بلغَت نحو 50%، وفي البلاد مِهَنٌ وأَعمالٌ يتولى العمالةَ فيها غير اللبنانيين الذين باتوا يشكِّلون نسبة 24% من القوى العاملة في لبنان، أَي نحو ربع القوى اللبنانية العاملة، وهذا رقم خطير يُنذر بكوارثَ اجتماعيةٍ مرعبة.

والأَصعبُ أَن ليس عندنا قانونُ عمل يُدقِّقُ في تعداد العمالة الأَجنبية فيحُدُّ من زيادتها عندما تبلغ سقفًا غيرَ مضبوطٍ يبدأُ بتشكيل خطر على اليد العاملة اللبنانية. والحاصل، مثلًا، أَن الاستعانة بالعاملات الأَجنبيات مثلًا (نحو 300 أَلف عاملة في البيوت)، تخضع فقط لنظام الكفالة وللعقْد الموقَّع مع الكفيل دون أَي حسابٍ لعدد الوافدات اللواتي لاحقًا قد تستقدمهن ربات البيوت.

في إِحصاءٍ أَخير أَن 2200  مؤَسّسة ومحل تجاري أَقفلت أَبوابَها منذ بداية العام الحالي. وعن وزارة المالية أَنَّ 3250 مؤَسّسة ومحلًّا تجاريًّا تقدَّمت بتصريح توقُّفها عن العمل. ويتفاقم التراجع في قطاعات مختلفة: العقاري (17%)، مساحات البناء المرخصة (23%)، الأَشغال الفندقية (66%) فيما بلغَت نسبةُ البطالة 35%، ونسبةُ الفَقر30% وانخفضَت القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني.

إِن كان يَنفع التذكار والتكرار: انفجَر غضبُ الأَهالي في بلدة ديترو عند بلوغ البطالة فيها نسبة 2%، واضطُر صاحب الفرن إِلى الاعتذار من ذَينـِك العاملَين السريلنكيَّين.

وإِذا كان الأَمر كذلك: فما عدد الذين على دولتنا أَن تعتذر منهم كي تعيدَ من الشلل حياةَ اليد العاملة اللبنانية؟

 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه: henrizoghaib.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى