مع وصول كورونا… ماذا سيبقى من لبنانكم؟

بقلم البروفسور بيار الخوري*

دَبّ الذعر بين اللبنانيين على أثر انتشار خبر هبوط طائرة عائدة من زيارة حجّ في إيران، وعَزل إحدى السيدات التي تأكّدت إصابتها بفيروس كورونا. وتداعت بعد ذلك الأنباء، بعضٌ منها حقيقي فيما بعضٌ آخر تمّت فبركته على عجل على جري كلّ ما تُنشئه وتفعله الإشاعة في بلدٍ بات أهله ينطلقون من توقّع الأسوأ حتى حين يتّكلون على الله، بل إن كثرة اتكالهم على الله هذه الأيام مدفوعة تحديداً بتوقّع الأسوأ.

خلال شهر تموز (يوليو) الماضي، كتبتُ في “أسواق العرب” مقالاً يتساءل عن “كيف سينجو لبنان في لحظة فقدان المناعة؟”، قلت فيه: “لبنان اليوم في صلب عملية تحوّلٍ، من اقتصاد تابع يعمل وفقاً لآليات السوق، الى اقتصاد مُرتَهِن لإرادة الدول الخارجية … إن المهم كيف سينجو لبنان في لحظة فقدان المناعة؟ حمى الله هذا الشعب الذي أخطأ كثيراً بحق نفسه”.

وقتها تحدّثت عن فقدان مناعة سياسية واقتصادية، ولم يخطر في بالي فقدان المناعة بمعناها الأصلي المُتّصِل بالعلوم الصحّية.

ليس لدي قلمٌ يشتري قرًاءً بالتخويف، لكن فيروس كورونا يعطينا مناسبة لنُفكّر في ما يمكن ان يعنيه انتشاره في بلدٍ فاقدٍ لكل مناعة. ولعلّ الخوف من فقدان المناعة الصحّية مرتبط تحديداً بقفدان المناعة السياسية والإقتصادية.

دعونا نُفكّر في العقلية التي أدار بها النظام السياسي أزماته السياسية والإقتصادية، والطريقة التي أدار بواسطتها النظام الإقتصادي الازمة الاقتصادية، والطريقة التي أدارت من خلالها النخبة الحاكمة ثقافة تعظيم الربح والتربّح من مآسي الناس في خضم أزمة الفقر الزاحف منذ العام الماضي.

كيف يُمكن لبلد غير قادرٍ على تأمين مستلزماته الطبية من دون حدوث كارثة أن يُؤمّنها في حال حلّت الكارثة؟ كيف يُمكن لبلدٍ ارتفعت فيه أسعار كل شئ تحسّباً لأزمة استيراد مُحتمَلة (وضمناً تلك البضائع التي تتضمّن قيمة مُضافة محلية بنسبة 100%) أن لا ترتفع فيه أسعار وسائل الوقاية بشكل جنوني في حال وقعت الكارثة؟ كيف يُمكن لدولة ان تُدير كارثة بحجم انتشار كورونا وهي غير قادرة على ضبط معبر بري أو بحري…وبالأمس جوي؟ كيف يُمكن لدولة يبحث مواطنوها عن طائفة المُصابة والوجهة التي أتت منها الطائرة علّ ذلك يُفيد في تسعير العداء بين الطوائف والإنقسامات المفيدة في الصراع السياسي، ان تتعامل مع الوباء؟

الخوف، وفي حال وجود أزمة وباء مُعمَّمة، ان نذهب سريعاً الى إدارة كوارث على القطعة بحيث تعمد كل طائفة وكل منطقة الى حماية محيطها و” بيئتها الحاضنة” من تداعيات الوباء. الخوف ان وباءً بهذه الخطورة في دولة عرجاء قد يُحوّل هذه الدولة الى دولة كسيحة تستخدم عكازات الطوائف لتغرق أكثر في الوباء.

أيّ اقتصاد وأيّ إصلاح وأيّ مستقبل لدولة موبوءة بالأصل؟ أي مستقبل بعد الوباء؟ إقتصادٌ مُنهارٌ أصلاً، ماذا يُمكن ان يفعل به الوباء؟ دولةٌ مُشلَّعة أصلاً، ماذا يمكن ان تفعل بها الكارثة؟ سياسيون يريدون الإستمرار بأي ثمن، ماذا يُمكن ان يُقدّموا في لحظة انعدام المناعة؟

كتب جبران خليل جبران قبل مئة عام: “ماذا سيبقى منكم ومن لبنانكم بعد مئة عام؟”، جبران كان له لبنانه، ولبنانه هذا هو الذي كتب هذا الكلام الرؤيوي. نحن لن يبقى لنا لبنان، لم يبقَ لنا سوى رحمة الله.

 

  • البروفسور بيار الخوري هو أكاديمي وكاتب في الإقتصاد السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى