يا بوليس البلدية

بقلم هنري زغيب*

 

في تصريحٍ الأُسبوع الماضي لرئيسة بلدية ﭘـاريس “آنّْ هيدالْغُو” (Anne Hidalgo) أَنها تقدَّمت من مجلس النواب بمشروعٍ لتعيين 5000 شرطي بلدي للفصل الميداني بين شرطة البلدية – لِمتابعة التنظيم الإِداري وضبط الأَمن المجتمعي – ورجال قوى الأَمن الـمُسلَّحين لضبط الإنحراف والإِرهاب. وفي موجبات المشروع أَنَّ بين مهامّ شرطة البلدية فرضَ الإنضباط اليومي، منعَ المواطنين من رمي النفايات في مجاري المياه، تنظيمَ محاضر بمن يخالفون قواعد البيئة والنظافة وبراكبي الدراجات على الطريق العام خارج الممرات الخاصة بهم، ملاحقةَ المُتحرّشين والمُخلِّين بالآداب، توقيف السيارات المُخالفة سرعةً أَو رُكونًا أَو تزميرًا، وذلك بدورياتٍ سبعة أَيام و24 ساعة متواصلة”.

مَنْحُ شرطة البلدية هذه الـمهام يُعطي أَفرادها صلاحيات صارمة للتحرّك وفرض هيبتهم فيَهَابُـهم المواطنون كما يهابون قوى الأَمن، وهذا يجعل الحياة مضبوطة في نطاق البلدية.

هذه الظاهرة في فرنسا سبَقَتْها عندنا خطةٌ شبيهةٌ “لتطوير عمل الشرطة البلدية في لبنان وتحويلها لخدمة للمجتمع”، مبادرةٌ من وزيرة الداخلية في الحكومة السابقة، ريّا الحسن، أَطلقَتْها في أَيَّار (مايو) الماضي شراكةً مع برنامج الأُمم المتحدة الإِنمائي والمديرية العامة لقوى الأَمن الداخلي، وموَّلَتْها حكومتا كندا وهولندا. وهي خطوة رائدة تجعل الشرطة البلدية مُكوِّنًا أَساسيًّا للسلطة المحلية في سلك الأَمن الوطني، يؤَمِّنُ عناصره، إِناثًا وذكورًا، ترسيخَ الأَمن والأَمان في حَرَم البلدية، ما يُشكِّل عاملًا رديفًا مُكَمِّلًا دورَ القوى الأَمنية الوطنية. وذلك يفترض تطوير قانون للبلديات على قاعدة مؤَسساتية تُـمَكِّنُ الشرطة البلدية من توفير الأَمن المجتمعي، الجمع بين خدمة الدولة وخدمة الأَفراد، تسهيل احتياجات المواطنين ومتطلباتهم اليومية، تَلَقِّي مشاكلهم المحلية وإِيصال صوتهم إِلى المراجع الرسمية فيركُنُ إِليهم المواطنون.

هذا الأَمر يفترض وضْعَ نظام داخلي خاص بالشرطة البلدية، واعتمادَ زيٍّ موحَّد، وتنظيمَ دورات تدريبية مُخَصَّصة لعناصر هذه الشرطة، وتطويرَ قواعد السلوك لديهم، وتوحيدَ معايـيرهم وإِجراءَاتهم، وضمانَ احترامهم الدستورَ والإتفاقيات والحريات العامة والخاصة. ويجدر بالمقابل تنظيمُ حملات إِعلامية وطنية عامة لتوعية المواطنين على دور الشرطي البلدي في النظام العام. من هنا الإِلحاحُ في تفعيل عمل الشرطة المحلية وأَهميةُ دعمها ولو جزئيًّا عمَلَ قوى الأَمن الداخلي، بتسجيل المخالفات وتنظيم السير والوساطة في النزاعات وضبط الأَمن والسلامة العامة ضمن النطاق البلدي. وهذا كلُّه يستوجب صياغة إِطار تنظيمي وتشريعي تسهيلًا وتفعيلًا عملَ الشرطة البلدية، ما يُؤَدِّي إِلى تطوير الأَمن البلدي خصوصًا، وبسْط طمأْنينة الأَهالي عمومًا.

هكذا لا يعود “بوليس البلدية” مجرّد موظف يلبس الزيَّ وينفِّذ أَوامر رئيس البلدية ويؤَمِّن السير بصفَّارة غالبًا ما يمرُّ صوتها دون بلوغ المخالفين، بل تصبح جولاتُ دورية الشرطة البلدية أَمانًا للمواطنين، أَمنًا لأَحياء البلدية، وتأْمينًا كلَّ ما يعكس هيبةَ الدولة واحترامَها على جبين قبَّعةٍ رسميةٍ يعتمرها باعتزازٍ بوليسُ البلدية.

 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه على بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه: henrizoghaib.com
  • يَصدُر هذا المقال في “أَسواق العرب” تَوَازيًا مع صُدُوره في صحيفة “النهار” – بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى