“صفقة القرن” الأميركية خطة لتشجيع إسرائيل على ابتلاع أراض فلسطينية أكثر!

يبدو أن “صفقة القرن” التي من المتوقع أن يُعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستكون لصالح إسرائيل ويُمكن أن تُمهّد الطريق لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية.

الرئيس محمود عباس: هل يقبل بالصفقة؟

بقلم ليندا هيرد*

من المقرر الإعلان عن تفاصيل “صفقة القرن”، التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في البيت الأبيض هذا الأسبوع لتتزامن مع زيارَتَي المُتنافسين السياسيين الإسرائيليين لواشنطن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبيني غانتز، زعيم تحالف الوسط الأزرق والأبيض.

تجدر الإشارة إلى أن الدعوة تأتي في الوقت الذي يُناقش الكنيست الإسرائيلي ما إذا كان ينبغي لنتنياهو أن يحصل على الحصانة من الملاحقة القضائية بتهمة الفساد، وفي الوقت الذي تجري محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ الأميركي. بالتأكيد إن إلقاء الضوء على “الصفقة” الآن لن يضمن فقط صرف الرأي العام عن السحب الغامضة التي يتعرّض لها الرجلان، بل ستُثير وتُنعش أيضاً قواعد الجناح اليميني.

لكن المزاج سيكون مُختلفاً جداً في البلدان المجاورة لإسرائيل. في ضوء التسريبات التي نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية وكَرَم ترامب غير المحدود تجاه الدولة العبرية، فإن غالبية القيادات الإقليمية تنظر إلى هذه المناسبة المُقبلة بخوف، إذ يساورها القلق من أن يؤدي إطلاق الخطة إلى زعزعة الإستقرار في منطقة غارقة في النزاعات والإنتفاضات الشعبية.

عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، قلقٌ بشكل خاص من الضغط الذي تمارسه واشنطن لفتح الباب أمام اللاجئين الفلسطينيين مقابل مليارات الدولارات من المساعدات الأميركية، والتي من وجهة نظر المملكة الهاشمية ستخلق قنبلة ديموغرافية مبدئية تُغيّر هوية الأمة إلى الأبد. ما زلت أتذكر أقوال سياسيين إسرائيليين كثر التي تُشير إلى أن الأردن سيكون دولة فلسطين المستقبلية.

بدلاً من إبرام صفقة، أي إتفاقية تُبرمها الأطراف المعنية لمصلحتها المُتبادَلة، يبدو العرض “مافياوياً” غوغائياً خاسراً لا ُيمكن للفلسطينيين رفضه … أو سيواجهون عقوبات قاسية. في الواقع، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية التي لم تكن لها أي مساهمة على الإطلاق في إبرام هذه “الصفقة”، لن تعرف التفاصيل حتى الصغيرة منها إلى أن تصل إلى المجال العام.

لقد رفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس الوساطة الأميركية في أعقاب اعتراف ترامب من جانب واحد بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، وهو مُحِقٌّ في ذلك. لقد أظهرت الإدارة الأميركية الحالية العداء الصريح للفلسطينيين من البداية، وسحبت كل المساعدات للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة وكذلك لمنظمة “الأونروا” المُكلّفة برعاية اللاجئين الفلسطينيين.

وسيط شريف للسلام

علاوة على ذلك، إستخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد جميع قرارات مجلس الأمن الدولي التي تنتقد سياسات إسرائيل. ومما زاد الطين بلة، وقّع ترامب أخيراً على أمر تنفيذي يربط معاداة الصهيونية بمعاداة السامية، وقد نقض عقوداً من سياسة بلاده بالإعلان أن الولايات المتحدة تعتبر المستعمرات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة قانونية. باختصار، استبعدت أميركا نفسها من أي ادعاء بأنها وسيط شريف للسلام.

لا يوجد فارق بين إدارتي ترامب ونتنياهو بالنسبة إلى جميع النوايا والأغراض، فإنهما تُمثّلان كياناً واحداً؛ واحدٌ يتجنّب أي مفاوضات مع الجانب الآخر لصالح إكراه الفلسطينيين على الإختيار بين سيىء للغاية وأسوأ من ذلك. لذا دعونا لا نستمر في خداع أنفسنا بأن هناك “صفقة” في المستقبل القريب. هذا ما نعرفه أو نعتقد أننا نعرفه عند هذا المنعطف بفضل التقارير المنشورة في وسائل الإعلام الإسرائيلية:

في مقابل قيام دولة منزوعة السلاح بلا أسنان من دون أي سيطرة على مجالها الجوي أو حدودها، يُطلَب من السلطة الفلسطينية التخلّي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم والتنازل عن القدس وكذلك ثلث الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل. يجب أن يوافق الفلسطينيون أيضاً على ضم إسرائيل لمعظم مستعمرات الضفة الغربية ووادي الأردن. كل شيء مشروط بنزع سلاح “حماس” وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة، والتي ستكون مطلوبة للإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية عاصمتها القدس.

ضوء أخضر للضمّ

مَن في عقله الصحيح يستطيع أن يتخيّل أن “حماس” و”الجهاد الإسلامي” ناهيك عن السلطة الوطنية الفلسطينية ستوافق على هذه الشروط الأحادية الجانب بشكل صارخ في خدمة الطموحات الإسرائيلية وحدها! لا عجب في أن بعض المُعلّقين يتكهّن بأن “الصفقة” ليست أكثر من ذريعة لتشجيع طموحات إسرائيل بالضم ولسبب وجيه. إذا رفض الفلسطينيون الدخول في اللعبة، وهو ما سيفعلونه حتماً، فإن ترامب سيمنح نتنياهو الضوء الأخضر لضم مستعمرات الضفة الغربية الكبيرة على الفور مع وادي الأردن.

قبل بضع سنوات فقط، كانت فكرة أن حكومات الولايات المتحدة وإسرائيل يداً بيد كقفازتين تدوسان على القانون الدولي، واتفاقات جنيف، وعشرات قرارات مجلس الأمن الدولي لتتناسب مع مصالحهما الضيّقة الخاصة بهما، أمرٌ لا يمكن تصوره. ليس للولايات المتحدة أي حق قانوني لمنح أرض محتلة لمحتل أو إعطاء بلد آخر ضوءاً أخضر لارتكاب السرقة. لكن في عالمنا حيث يكون الصمت أعلى الأصوات والأقوياء مُحصّنين لا تستطيع العدالة الوصول إليهم، لا يوجد سوى قانون واحد مهم – قانون الغاب. أولئك الذين لديهم أسنان حادة يفوزون بما يريدون.

وهنا لا يجب أن تُخطئ! هذه ليست مشكلة فلسطينية فقط؛ انها جزء من اتجاه. لقد أنعم الرئيس الأميركي على إسرائيل بضم مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وسيطر بفخر على حقول النفط السورية، ورفض سحب القوات الأميركية من الأراضي العراقية ما لم تدفع بغداد مليارات الدولارات الأميركية كتعويض لغزوها واحتلالها! كلما سنحت له الفرصة للحصول على أكثر كلما زاد من طلباته. ما لم يرفع قادة العالم اعتراضاتهم بصوت واحد، وإن كان هذا “سيناريو” غير مرجح للغاية، فإن السؤال الوحيد الذي يتبادر إلى الذهن: ما هو التالي؟

  • ليندا هيرد كاتبة سياسية بريطانية حائزة على جوائز عدة حيث تُركّز أبحاثها وكتاباتها على الشرق الأوسط.
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى