قمْع الـمُنْدسِّـين كـي لا تَسقطَ الـزرازير

بقلم هنري زغيب*

 

لا أَدري إِن كان الـمُندَسُّون الـمَدسُوسون الـمُخرِّبون اللعينون يتحدَّرون من فصيلة الطيور الكاسرة التي تندَسُّ أَو تـهاجم كي تفرِّق وتؤْذي وتُدمِّر.

في عالـم الطير عصفورٌ صغيرٌ لطيفٌ أَليفٌ اسـمُه الزرزور، متميِّـــزٌ بين أَقرانه الطيور، له قصة غريبة تتناقلها الصحف وكاميرات التلـﭭـزيون في العالَـم: مأْساةٌ بيئيةٌ مؤْلـمةٌ تكرَّرَت في مُدن عدَّة بينها بودِرْدِن (المملكة المتحدة)، ولاهاي (هولندا)، وروما، ومدُنٍ في ولاية يوتا الأَميركية.

أَحدثُ تلك الـمآسي ما حصَل في جزيرة إِنْغِــلْسِي (مقاطعة وِيلْزْ – المملكة المتحدة): كانت امرأَةٌ في طريقها إِلى طبيبها حين رأَت فوقها غيومًا متحركةً تأَمَّلَــتْها مليًّا فإِذا هي أَرتالٌ من آلاف الزرازير تغطِّي الفضاء وتحجُب قرص الشمس. بعد ساعتين عادت من عيادة الطبيب لتُذْعَــرَ من مشهدٍ فاجع: مئاتٌ من تلك الزرازير ملقاةٌ على الطريق بلا حراكٍ تَقطر الدماء من أَجسادها الـمهشَّمة، كأَنها مطر من العصافير الجريحة انهمر على الأَرض وغطَّاها.

وصل خبراء من “وكالة الصحة الحيوانية والنباتية” فأَخذوا عيِّنات من تلك العصافير الـميتة إِلى المختبر المركزي. لـم يَظهر عليها تسمُّم ولا رصاصُ صيادين. وبنتيجة المختبر تبيَّن أَن تلك الزرازيرَ – النحيلةَ الجسمِ الضئيلةَ الدفاع في وجه أَيِّ صدام أَو هجوم إِبَّان تـحليقها – تُذعَرُ في رفوفِها حين تهاجمها أَفواج الطيور الكاسرة بـمناقيدها الجارحة الـمُدَمِّية مُتَغَلْغلةً بين الزرازير فتروح هذه تتلاطم في ما بينها وتسقُط تباعًا من أَعلى الجو.

هكذا، عند ترحال الزرازير من بلد إِلى آخر، تندَسُّ بينها الكواسر، تفرِّقها، تُضْعِفها، فَتَتَفَتَّت غيوم العصافير الـجَماعيةُ إِلى خيوط ضئيلة من الأَفراد وينهار معظمُها على الأَرض.

وعن نتيجة البحث العلمية أَن تلك الآلاف الطائرة بين أَمواج الجو تُصوِّت بشكل جماعي، فتُنَبِّهُ أَصواتُها الكواسر بين باز وصقر ونسْر وخُطُّف، وتهجم مسنونةً على آلاف الزرازير فتفرِّقها ويضرِب بعضُها بعضًا فتتجرَّح ما يسبِّب سقوطَها الفاجع وموتَـها، صعقًا في الجو، أَو ارتطامًا مدوِّيًا بالأَرض.

و… من رفوف المندَسِّين في الجو بين الزرازير لإِفشال مسيرتها، إِلى أَفواج المندَسِّين على الأَرض بين الثوار لإِفشال مسيرتهم والتسبُّب برفْضِ الناس ثورتَهم، وتحميلِهم مسؤُولية خراب لَـم يقترفوه.

هذه هي الـمعادلة السائدة اليوم في بيروت: زرازير الأَرض الـمُسالـمون يَثورون مطالبين بإِصلاحات، يَتضامنون جماعاتٍ متراصَّةً متجانسة، يسيرون معًا نحو أَهداف نبيلةٍ مُـحقَّةٍ واضحة، فإِذا بكواسر شياطين الفتنة الـمُندسِّين الـمدسُوسين يرتكبون فواحش التخريب لتفرقة الـمُسالـمين كي يدُبَّ بينهم الذُعر ويُربكَهم الرعب فيقعوا أَرضًا بين جريحٍ ومعطوبٍ ومُشوَّهٍ بإِصابات بالغة وربما مأْساوية.

كما في السماء كذلك على الأرض؟ صحيح: في الجو، كما في الشوارع والساحات، كواسرُ جارحة طارئة مندَسَّة مدسوسة وزرازير مُسالـمة مُـحقَّة.

وبين استشهاد الزرازير وعناد الكواسر يُطلُّ الربيع، كلَّ ربيع، ليُعلنَ صباحًا جديدًا يُشرق من ليل الـخراب.

 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه على بيريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com

 

  • يَصدُر هذا الـمَقال في “أَسواق العرب” تَــوَازيًا مع صُدوره في صحيفة “النهار” – بيروت.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى