الأولويات اللبنانية العاجلة قد تتعارض مع ولاءات “حزب الله” الإقليمية

بقلم كابي طبراني

عند مناقشة الإحتجاجات الشعبية في لبنان، يميل الكثير من الناس إلى التركيز على الديناميات الداخلية والإشمئزاز العام من الطبقة السياسية. هذا بالتأكيد شرعي، بالنظر إلى أن سياسيين كثراً في لبنان هم تجسيدٌ لعدم الكفاءة والفساد، وبالتالي هم أفرادٌ مكانهم السجن في أي بلد عادي.

ومع ذلك، قد يكون أهم العوامل التي تؤثّر في التطورات في البلاد – وكيف يتعامل اللبنانيون مع الإنهيار الإقتصادي المُستمر – هي السياسة الإقليمية. على وجه التحديد، سيسعى “حزب الله”، المُهَيمن على لبنان، إلى تشكيل سياسات البلد بما يتماشى مع تفسيره للأحداث في الشرق الأوسط الكبير وتأثيرها على راعيته إيران.

كان اغتيال الجنرال قاسم سليماني الأخير بمثابة نقطة تحوّل بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية. لقد فسّرت طهران هذه الخطوة على أنها محاولة من جانب الولايات المتحدة لتحدّي الأجندة الإقليمية الإيرانية، وهذا سيكون له بالتأكيد تداعيات على سلوك “حزب الله” في لبنان في المرحلة المقبلة.

بالنسبة إلى الحزب، يفرض تحدّي أميركا أمرَين: أولاً، عدم السماح لحركة الإحتجاج في لبنان بتقويض نظامٍ سياسي يوفّر غطاءً ل”حزب الله”. وثانياً، تعزيز سيطرة الحزب على النظام اللبناني من أجل جعل البلد رهينة في أي صراع على النفوذ والهيمنة في المنطقة.

دفعت الضرورة الأولى “حزب الله” إلى معارضة حركة الإحتجاج بمهارة عندما بدأت في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. فقد سعى الحزب بشكل مختلف إلى مُداهنة المتظاهرين وترهيبهم وتفريقهم، قبل تركيز جهوده على تشكيل حكومة تحافظ على حصص الأحزاب السياسية الرئيسة التي تتحالف معه. وشكّل الآن حكومة تهدف إلى تحييد، وربما قمع المظاهرات الشعبية.

ومما يُثير القلق أكثر هو ما يعنيه هذا الأمر بالنسبة إلى الوضع الإقتصادي للبنان. من شبه المؤكد أن البلاد ستحتاج إلى شكل من أشكال المساعدة الدولية لأن نظامها المالي ينهار. لقد تقدّمت هذه العملية فعلياً بشكل جيد حيث يحاول القطاع المصرفي في لبنان شراء الوقت في انتظار خطة الإنقاذ. ومع ذلك، قد يعتبر “حزب الله” التدخل من قبل صندوق النقد الدولي، أو مجموعة أخرى من الدول الخارجية، بمثابة انتهاك لهامشه في المناورة.

الدول المانحة لن تُساعد لبنان ما لم يُعِدّ ويُنفّذ إصلاحاً إقتصادياً جدياً. ستكون هذه العملية مؤلمة وتُفرَضُ بشكل أساس على طبقة سياسية مُتردّدة، مما يُضعف مصداقيتها. قد يُمثّل هذا خطاً أحمر ل”حزب الله”، والذي لن يرى فقط الطبقة السياسية تفقد سيطرتها على القرارات الإقتصادية، ولكن قد يضطر أيضاً إلى مواجهة شروط للمساعدة مُوَجَّهة ضدّه.

لكن قول “لا” لن يكون بهذه البساطة. إذا أفلس لبنان وأغلقت البنوك، فإن الألم الذي يشعر به اللبنانيون سيصل إلى آفاق جديدة. في مثل هذا السياق، لا يُمكن للحزب أن يكون عقبة أمام المساعدات الخارجية. وسيواجه معضلة: إمّا عرقلة المساعدات الأجنبية، أو إثارة الغضب الشعبي، أو فتح الباب أمام مساعدة وتأثير خارجي قد يُقوّض سيطرة “حزب الله” على النظام.

هذا هو السبب في أن الحزب قد لا يكون لديه خيار سوى الضغط من أجل إصلاح حقيقي لإبعاد الممولين الأجانب، حتى لو كان هذا غير مُحتَمل. لقد خلق “حزب الله” وحلفاؤه شكلاً واسعاً ومنهجياً من الفساد يصعب تغييره. حتى مع وجود أفضل النوايا، فإن أي دفعة إصلاحات من قبل الحزب قد تؤدي إلى توترات مع حلفائه. والأسوأ من ذلك، إذا كان “حزب الله” يعتبر الحفاظ على النظام أمراً حيوياً اليوم، فلماذا يقبل الإصلاحات التي تحوّل النظام في غير مصلحته غداً؟

من ناحية أخرى، لا ينظر الحزب بحذر فقط إلى الولايات المتحدة، إنه قلقٌ بالقدر عينه من تحركات روسيا في المنطقة. بعد أيام قليلة على اغتيال واشنطن لسليماني، توجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد. كانت الرسالة الواضحة للغاية في زيارته، إضافة إلى حقيقة أن الأسد كان عليه معاناة إذلال الذهاب إلى مركز قيادة روسي لمقابلة بوتين، هي أن الأمر في سوريا هو في نهاية المطاف لموسكو، وليس لطهران.

الواقع أن تصرفات بوتين تحمل بياناً ضمنياً مفاده أنه حتى لو دخلت الولايات المتحدة وإيران في حرب، فإن روسيا ستحمي مصالحها في المنطقة. في أعقاب قرار موسكو في مناسبات عدة كثيرة عدم إطلاق صواريخها المضادة للطائرات على الطائرات الإسرائيلية التي كانت تقصف قوات تابعة لإيران أو لحلفائها في سوريا، فإن هذا الموقف لا يمكن أن يُطمئن طهران. بالنسبة إلى الإيرانيين، تُزوّد سوريا “حزب الله” بعمق استراتيجي في أيّ حرب مع إسرائيل، لكن هذا لم يعد صحيحاً بالضرورة إذا كانت روسيا تسيطر على البلاد.

لهذا السبب، فكما أوضح بوتين موقفه بالنسبة إلى سوريا بفعالية بعد مقتل سليماني، فإن “حزب الله” سيحرص على التأكيد على أن لبنان هو لإيران. ويتجاهل قدر الإمكان حركة الإحتجاجات الوطنية، على أمل أن يُتيح له مزيجٌ من التهديدات وقوة المحسوبية التغلب على الأزمة. ومع ذلك، قد يكون هذا توقّعاً غير واقعي نظراً إلى أن التفكك الإقتصادي في لبنان سيُصيب دائرة “حزب الله” ومجتمعه الأوسع، بشكل قاسٍ جداً أيضاً.

في مرحلة ما سيجد “حزب الله” أن ولاءاته الإقليمية تتعارض مع الأولويات اللبنانية العاجلة. إذا اختار الحزب القمع لإسكات المشهد المحلي، فقد يتسبب ذلك في انفجار إجتماعي وإدانة أجنبية وعواقب وخيمة سيندم عليها “حزب الله”. لبنان ليس إيران. قد يؤدي اللجوء إلى العنف إلى وقوع حرب أهلية تُوقِع “حزب الله” في دوامة لن يخرج منها قريباً وبشكل سهل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى