رئيس الجزائر الجديد يبحث عن الشرعية في الداخل والمصداقية في الخارج

على الرغم من تسلمه رئاسة الجزائر منذ أكثر من شهر بدعم من المؤسسة العسكرية، فإن عبد المجيد تبّون ما زال يبحث عن الشرعية إذ أنه لم يستطع بعد الحصول على المباركة الشعبية المطلوبة لشرعنة حكمه.

 

الإحتجاجات في الجزائر: الشعب ليس راضياً على الحكم الجديد.

بقلم داليا غانم و رياض بنيدجي*

في ظل المظاهرات الحاشدة التي استمرت لمدة عام تقريباً، تمّ انتخاب عبد المجيد تبّون رئيساً للجمهورية في الجزائر في 12 كانون الأول (ديسمبر) 2018. ومع بلوغ معدّل الإمتناع عن التصويت ما يقرب من 60 في المئة، فإن العجز في شرعية الرئيس الجديد وحكومته ما زال كبيراً بعد أكثر من شهر على تولّيه منصبه.

لقد اضطر تبّون والجيش المؤيد له إلى استخدام طرق عدة لمحاولة إضفاء الشرعية على الحكم الجديد. ويعود هذا لأنه منذ الإنتخابات استمرت الإحتجاجات الشعبية السلمية. يستمر الطلاب في الخروج إلى الشوارع كل يوم ثلاثاء والسكان بشكل عام كل يوم جمعة. ويتّهم المُحتجّون تبّون بأنه رجلٌ من النظام، وعضو في ما يسمى “العصابة”، أيّ أنه من السياسيين والأوليغارشيين المُرتبطين بالأنظمة السابقة، والذي سُجِن ابنه بسبب فضيحة لتهريب الكوكايين.

رداً على هذه الإتهامات، وضع تبّون “أخلاق الحياة السياسية” و”الفصل بين المال والسياسة” على رأس أولويات حكومته. لقد وعد بمواصلة محاربة الفساد كما فعل عندما كان رئيساً للوزراء لفترة وجيزة في العام 2017، وإنشاء آليات لتَجَنّب تضارب المصالح من قبل الموظفين العموميين. وهذه سمة مهمة لـ “الجمهورية الجديدة” التي وعد بتطبيقها.

في حين أن الجزائر تُواجه شللاً إقتصادياً طويل الأجل، يسعى تبّون إلى تنويع إقتصادٍ ريعي غير مُنتج يعتمد بشدة على المحروقات والواردات. وقد وعد أيضاً بنموذج اقتصادي من شأنه أن يُقلّل من الروتين وقادر على خفض البطالة وتوفير الأمن الغذائي. وفوق ذلك، فقد أصرّ على الحاجة إلى دعم الخدمات الإجتماعية التي تساعد الشريحة الأكثر فقراً من السكان – حوالي 30 في المئة من الجزائريين حسب قوله. كما وعد بإلغاء الضرائب على الفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع.

وأعلن تبّون أنه سوف يستجيب لأحد المطالب الرئيسة للحركة الشعبية ويُراجع الدستور. لقد وعد بدستورٍ يُعزّز الحقوق والحريات، ويُحارب الفساد، ويُعزّز الفصل بين السلطات، ويُعزّز صلاحيات البرلمان، ويضمن المساواة بين المواطنين (مع، على وجه الخصوص، الإلغاء المُحتَمَل للمادة 51 التي تستبعد المواطنين ذوي الجنسية المزدوجة من المشاركة في الحياة السياسية).

في 8 كانون الثاني (يناير)، أنشأت الرئاسة لجنة من الخبراء تتكوّن أساساً من أساتذة في القانون الذين سيُقدّمون مقترحات جديدة في غضون شهرين. سوف تتشاور اللجنة مع الجهات الفاعلة السياسية ومنظمات المجتمع المدني وستُقدّم مقترحاتها إلى البرلمان لاعتمادها. بمجرّد الموافقة، سيتم دعوة الجزائريين للتصويت من طريق الإستفتاء على المراجعات/المقترحات. بالنسبة إلى المتظاهرين، لا ينبغي إعداد المراجعات من قبل لجنة من الخبراء، فهم يعتقدون أن ذلك هو حقٌّ سيادي للشعب.

كما أن جهود تبّون لإضفاء الشرعية على نفسه كانت واضحة في تعييناته الوزارية. إختار أكاديمياً كرئيس للوزراء وأساتذة جامعيين سابقين بالإضافة إلى آخرين من المجتمع المدني كوزراء. إنه يريد أيضاً إنشاء، أو على الأقل إعطاء الإنطباع بإنشاء، أسلوب جديد للحكم. على سبيل المثال، طلب عدم تسميته “صاحب السعادة” أو “صاحب السيادة”، كما فعل أسلافه، ووعد بعقد مؤتمرات صحافية منتظمة من أجل الحكم بشفافية.

وقدّم الرئيس الجديد ادعاءات حول الهوية الوطنية والنظام والأمن في محاولة لتعزيز مصداقيته. لقد استخدم حرب الإستقلال الجزائرية لتعزيز الشعور القوي بالهوية الوطنية. عند تنصيبه، ربط تبّون جيل تشرين الثاني (نوفمبر) 1954، عندما بدأت حرب التحرير، مع إنتفاضة 22 شباط (فبراير) 2019، عندما وقعت احتجاجات جماهيرية في جميع أنحاء الجزائر ضد تجديد ولاية الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة. حسب تبّون، فإن المتظاهرين اليوم هم استمرار للجيل الأول من الجزائريين الذين ناضلوا من أجل الإستقلال.

كما أثنى الرئيس الجزائري الجديد على إنجازات الجيش الوطني الشعبي، والذي وصفه بأنه “العمود الفقري للأمة” الذي “حمى الحراك”، أو حركة الإحتجاج. وتمّ استخدام الخطاب عينه من قبل رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي الجديد، سعيد  شنقريحة، الذي شجب أيضاً “المؤامرات الخطرة” المُفتَرَضة التي نظّمتها “قوى الظلام” و “الأيدي الأجنبية”. وقد قصد بهذا الكلام بلداناً كالولايات المتحدة وفرنسا والمغرب الذي ادّعى بأنها كانت تساعد قوى داخلية مثل الإسلاميين والإنفصاليين البربر بهدف زعزعة استقرار الجزائر.

لقد ذهبت السلطات إلى حدّ الإدعاء أنها قامت بتفكيك “خطة تخريبية” كانت تُعدّها “الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل” قبل الإنتخابات الرئاسية. كان هدفها نشر رواية مفادها أن هذه الحركة القبائلية، المُنَظَّمة تنظيماً جيداً وعنيفة، هي على استعداد لاستغلال حركة الإحتجاج لإثارة الفوضى. وقد منعت السلطات “الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل” من تنظيم مسيرتها السنوية في 12 كانون الثاني (يناير)، وفي 13 كانون الثاني (يناير) أمرت الحكومة بإعداد مشروع قانون يمنع التعبير عن الكراهية والإقليمية عبر الإنترنت. بهذه الطرق، سعت السلطات إلى تبرير القمع وإعادة إحياء الوحدة الوطنية بشكل مُصطَنَع من خلال تحديد الأعداء المزعومين داخل الجزائر وخارجها.

في ضوء التطورات الأخيرة في ليبيا المجاورة، سعى الجيش أيضاً إلى تسليط الضوء على دوره كحامي لوحدة الحدود. وقد تعزّز دور تبّون في المساعدة على حل النزاع الليبي في الأسبوع الفائت عندما استقبل رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا فايز السراج ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو. كما شارك في مؤتمر برلين حول ليبيا في 17 كانون الثاني (يناير)، الذي دعته إليه رسمياً المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. خلال المؤتمر، صرّح تبّون أن الجزائر مستعدة لاستضافة محادثات بين “الإخوة الليبيين”.

تعكس هذه الزيارات وتورّط الجزائر في تسوية ليبية مُحتَملة رغبة السلطات الجزائرية في تعويض الوقت الضائع بعد سنوات من الديبلوماسية الراكدة. مثل هذه الأنشطة هي أيضاً أداة لتصنيع الشرعية المحلية للنظام بالإضافة إلى المصداقية الدولية.

جهود تبّون لا تختلف كثيراً عن جهود سلفه. ومع ذلك، عندما وصل بوتفليقة إلى السلطة في العام 1999، أدّت الزيادة في إيرادات النفط إلى ارتفاع مستويات المعيشة وتَبَعيّة طبقة رجال الأعمال للرئيس وحاشيته. اليوم، من الصعب إعادة إنتاج هذا بسبب الظروف الإقتصادية المُعاكِسة، ولكن أيضاً لأن الجزائريين لم يعودوا مُستَعدّين لقبول نموذج للقيادة ينتج عدم شرعية، ولكن الدعم من خلال التَبَعِيّة.

سوف تتفاقم أزمة الشرعية بسبب عجز الحكومة عن الإرتقاء إلى مستوى التوقّعات الإجتماعية والإقتصادية للسكان وتنفيذ التغييرات السياسية النظامية التي يدعو إليها الجزائريون. إنتهى الوقت الذي سمحت خلاله الإنتخابات والإستفتاءات الدورية للأنظمة بالحفاظ على واجهة ديموقراطية وتوليد الشرعية. إن قيام القيادة بإضفاء الصفة المثالية على الناس في بياناتها العامة مع إظهار ازدرائها للمطالب الشعبية في الممارسة أمرٌ لا ولن يقبله الجزائريون بكل بساطة بعد الآن.

  • داليا غانم هي باحثة مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت والمديرة المشاركة للعمل المُتعلق بالجندرة في برنامج العلاقات المدنية -العسكرية في الدول العربية، حيث يبحث عملها في العنف السياسي والتطرف والإسلام والجهاد مع التركيز على الجزائر. ورياض بنيدجي، صحافي في مجموعة الصحافة “إيبرا” (EBRA) في باريس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى