اليد في اليد من أجل تونس

بقلم عبد اللطيف الفراتي*

جاء الوقت ليضع السياسيون في بلادنا اليد في اليد من أجل تونس. وهذا لا يعني انتفاء التناقضات، ولا انتهاء الخصومات ولا المنافسات، ولا تناقض التوجّهات السياسية وحتى الإيديولوجية، ولكن لا بدّ من الإدراك بأن هناك شعوراً طاغياً منتشراً بأن المجلس الجديد هو بمثابة مجلس مؤسس كما كان المجلس التأسيسي قبل ما بين 8 و5 سنوات.

وإذ لا بدّ من اختيار رئيس حكومة يكون صاحب دراية اقتصادية واجتماعية واسعة، ويكون له دفتر عناوين واسعاً داخلياً وخارجياً قادراً على التجميع، على غرار محافظ البنك المركزي مروان العباسي، الذي يبدو أنه يستنكف أن يكون رئيس حكومة، أو يدخل في متاهة المهاترات، ولعلّه من أفضل مَن يمكن أن يقوم بالمهمة، ولكن هل هو من سعة الصدر بحيث يقدر على تحمّل ما يجري في مجلس النواب وفي الشارع التونسي والوسائط الاجتماعية؟ وإذ لم أكن منذ اليوم الأول، مثل الكثيرين، مُغتبطاً بتعيين الحبيب الجملي في الموقع الذي قذف به فيه، من دون قدرة، حسب رأيي، على تحمّل ذلك الموقع، فإني معجب بما تحلّى به من صبر أيوب.

ولعلّ على رئيس الحكومة الذي سيقع نصح رئيس الدولة باختياره، إن استجاب، أن يكون على دراية اقتصادية واسعة، وقدرة على القيادة، ويتمتع بكاريزما عالية، فضلاً على سعة صدر وتحمّل.

فهو مدعو لقيادة البلاد على طريق الخروج مما تردت إليه من انحدار، لا تبرره ثورة حصلت مثيلتها في بلدان عدة، ولكن عرفت كيف تطوعها لتحقيق نمو أكبر مما كان قبلها، ويكون من الناحية النظرية حاملاً لأدوات أصبحت معلومة للتصّرف الإقتصادي والاجتماعي، قادر على تفعيلها وقد باتت أشبه بالعلوم الصحيحة،  إذ إن اتباع وصفة مُعيّنة،  يؤدي إلى نتائج معلومة ومُحدَّدة بصورة مُسبقة. وهو مدعو كذلك لا للإكتفاء بالنجاح في المجالات الإقتصادية والإجتماعية بل  بتعبئة كل طاقات البلاد، وتوفير المناخات المساعدة ومنها، كبح جماح سباق الأسعار / الأجور مؤقتاً ولمدة عامين أو ثلاثة على الأقل، ووقف زحف كتلة الأجور التي لم يقابلها إنتاج في المستوى، بل كذلك  إلى اعتماد سياسة تستكمل المقوّمات الدستورية للبلاد، ولعلّ أكبر سقطة لحكومة التوافق بقيادة “نداء تونس” وحركة “النهضة” ومن شاركهما  خلال الخمس سنوات الأخيرة، زيادة على الاخفاق الاقتصادي والاجتماعي، هو الفشل في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية وبقية المؤسسات الدستورية. وعلى أهمية الدستور، ولا نقول بخلوّه من منطق داخلي متماسك وهنّات أخذت تتضح معالمها، فإن البلاد ستسير بدستور أعرج إلى أن يتم إنشاء محكمة دستورية، وبقية المؤسسات التي اقتضاها الدستور على علّاته.

وإذ يتضح أن العائق دستوري يتمثّل في ضرورة تجميع 145 صوتاً ضرورياً من إجمالي 217 هم كل أعضاء البرلمان، وهو أمر استحال تحقيقه طيلة العهدة النيابية السابقة، فإنه ينبغي اعتبار الفترة المقبلة مماثلة لفترة السنوات الثلاث التي عرفت صياغة الدستور، بضرورة وضع اليد في اليد بين كل أطياف البرلمان الجديد.

ومن هنا فإنه لا بد من أن يتفطن الجميع إلى أن مصلحة البلاد تقتضي في المرحلة المقبلة تشكيل حكومة تجمع الغالب الأعظم من الأحزاب والكتل المتاحة في المجلس النيابي، بدون إقصاء أحد إلّا مَن يُقصي نفسه، أي المجموعة الكبرى المشكّلة حول “قلب تونس”، المجموعة الدائرة في فلك “النهضة”، والمجموعة المتمثلة في الشعب والتيار.

ليس الوقت وقت خلافات إيديولوجية، ليبيرالية أو توجهية الاقتصاد، بل الوقت وقت استكمال مقتضيات الدستور، بإجماع يكاد يكون كلياً. وليكن بعد ذلك الصراع الإيديولوجي، حول الطبيعة المتبعة في عمق الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولا بأس في الأثناء من إدخال ما يحتاجه الدستور من تعديلات.

  • عبد اللطيف الفراتي كاتب وصحافي تونسي مخضرم. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الصباح” التونسية. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fouratiab@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى