وفاة السلطان قابوس تُمَثِّل نهاية حَقَبة

بقلم كابي طبراني

تُشكّل وفاة السلطان قابوس بن سعيد، صاحب أطول فترة حكم من بين الحكام العرب والثالث في العالم، نهاية حَقَبة. كان يُمثّل شخصية الأب بالنسبة إلى أكثر من أربعة ملايين عُماني ورجل دولة كبير يتطلع إليه العديد من القادة في المنطقة. لقد احتفظ قابوس بزمام الأمور على مدار نصف قرن تقريباً، حيث حقّق خلالها تقدّماً عظيماً لبلاده بينما كان يلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على الإستقرار الذي تمسّ الحاجة إليه في هذا الجزء من العالم.

في الواقع، من المهم أن نتذكر السلطان قابوس باعتباره المُحدِّث والنهضوي الكبير لسلطنة عُمان والوسيط المهم بين الجيران المُتناحرين في أوقات الحرب والسلم. لقد كان آخر الأعضاء المؤسّسين لمجلس دول التعاون الخليجي، الذي تم تشكيله في العام 1981، خلال فترة من عدم اليقين الشديد الناجم عن بداية الحرب العراقية – الإيرانية.

إن رحيله يُشكّل خسارة كبيرة لبلاده والمنطقة والعالم بأسره. لكن رغم أن هذا الوقت هو وقت حداد، من المهم الإحتفال بحياته وتكريم إرثه كواحد من أكبر قادة العالم العربي.

عندما تولى قابوس السلطة من والده في العام 1970، كانت عُمان دولة لديها ستة كيلومترات فقط من الطرق المُعبّدة وتواجه عدداً لا يُحصى من التحدّيات السياسية والإجتماعية. كما كان في البلاد ثلاث مدارس للذكور ومُستشفيان فقط. لقد كانت فترة عرفت فيها البلاد تمزّقاً داخلياً بسبب نزاعات مُسَلّحة وفصائل مُتباينة مع إيديولوجيات سياسية مُتضاربة.

ومع ذلك، فقد استثمر خلال فترة قصيرة الإيرادات المتأتّية من صناعة النفط في البلاد في بناء البنية التحتية الحيوية والمؤسسات التعليمية والمستشفيات والبنوك والمطارات والموانئ البحرية. خلال هذه الفترة، وحّد قابوس البلاد ودافع عن مجتمع مُتسامِح لم يكن موطناً للعرب فقط ولكن أيضاً لأحفاد شبه القارة الهندية وشرق إفريقيا. مثالٌ آخر على رؤيته التقدّمية كان في أوائل تسعينات القرن الفائت، عندما مَنَحَ حق الإقتراع للنساء ومكّنهن من الترشح للمناصب العامة – وهي خطوات غير مسبوقة في الخليج، في ذلك الوقت.

إستفاد قابوس، وهو من محبي الفنون، من تاريخ بلاده الهائل وتراثها الثقافي من خلال تحويلها إلى وجهة سياحية نادرة، لا سيما للزوار الذين كانوا مُهتَمّين حقاً بهذا الجزء من العالم. وتُعد دار الأوبرا السلطانية في مسقط ذات الجاذبية الثقافية النابضة بالحياة منذ افتتاحها في العام 2011، واحدة من العديد من ثمار هذه الرؤية.

كان السلطان قابوس مشهوراً بالبراغماتية في السياسة الخارجية حيث احتفظت سلطنة عُمان خلال فترة حكمه بعلاقات ودية مع كل بلد في المنطقة، ورفض التحيّز لأي طرف حتى تحت الضغط. لقد كان يعتقد أن مثل هذا النهج الإيجابي كان مُفيداً ليس فقط للسلطنة بل للجميع في الشرق الأوسط. والذي يجعل من براغماتيته أن تستحق الثناء هو أنه على الرغم من كونه صديقاً للغرب ورجلاً عسكرياً – كان تخرّج من أكاديمية ساندهيرست العسكرية في بريطانيا – فقد عَمِل بجد على مبدأ المُسالَمَة حتى مع الجيران المُحرِجين. ويؤكد إعلان الحداد الرسمي في دول عربية عدة على وفاته، مثل الإمارات والبحرين والكويت وقطر ولبنان والأردن، بأن تأثيره كان فعّالاً في المنطقة وليس فقط داخل حدود بلده.

ربما يكون إرث السلطان قابوس الأكبر هو سلطنة عُمان الحديثة والمُسالمة والمستقرة التي خلّفها. على الرغم من أنه لم يتم الإعلان عن خطة خلافة، فقد تم تسمية وزير الثقافة السابق هيثم بن طارق آل سعيد في غضون ساعات من وفاته عندما تم فتح مظروف مختوم يُرشّحه. كانت وفاة قابوس هي اللحظة التي كان يخشاها الكثير من العُمانيين أكثر من غيرهم أن تحدث في حياتهم. ومع ذلك، بالنظر إلى حالة البلاد اليوم – خصوصاً إذا ما قورنت بالوضع البائس الذي كانت عليه خلال سبعينات القرن الفائت – فلا شك أن “سلطان الحب والحكمة”، كما دعاه  الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الإمارات وحاكم دبي، قد ترك بلده على أساس أكيد، صلب وثابت.

والذي يجب أن يُطمئن العُمانيين هو أن خلفه وابن عمه السلطان هيثم بن طارق، أعلن بكل وضوح أنه “سيمضي قُدُماً على نهج السلطان قابوس في تطوير وتقدم السلطنة”.

مات السلطان… عاش السلطان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى