هل السعودية والإمارات والبحرين باتت قريبة من إنهاء مقاطعة قطر؟

تنتشر معلومات متقاطعة منذ فترة عن أن السعودية والإمارات والبحرين قد تُعيد علاقاتها الطبيعية مع الدوحة وتُنهي مقاطعتها لقطر حيث أن هناك إشارات من الفريقين تُفيد إلى أن الوقت قد آن لفتح صفحة جديدة لا سيما في الأجواء المتوترة التي تسود المنطقة.

 

الأمير تميم بن حمد آل ثاني: أناب رئيس وزارئه لحضور القمة الخليجية في الرياض

 

بقلم نيل كيليام*

يبدو أن المملكة العربية السعودية وقطر باتتا أقرب إلى حل الخلاف الديبلوماسي الذي عزل الدوحة عن جيرانها منذ العام 2017، على الرغم من أنه لا يزال هناك فجوات واسعة. في محاولة لكسر الجمود الذي أدّى إلى انقسامٍ حاد في مجلس التعاون الخليجي المُكَوَّن من ستة أعضاء، دعت المملكة العربية السعودية أخيراً أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي السنوية في الرياض في 10 كانون الأول (ديسمبر) الفائت. وبدوره دعا الشيخ تميم المُنتخب السعودي لكرة القدم للمشاركة في بطولة كأس الخليج العربي الرابعة والعشرين التي استضافتها قطر.

لكن بينما شاركت الرياض في نهاية المطاف في البطولة، قرر الشيخ تميم إرسال رئيس وزرائه إلى قمة مجلس التعاون الخليجي بدلاً منه. لقد كانت إشارة واضحة من الدوحة إلى أنها بينما تريد حلّ بعض خلافاتها مع جارتها الأكبر، فإنها ستواصل رفض المطالب السعودية بإجراء تغييرات عميقة في سياستها الخارجية وتدخّلها الإقليمي. كما أن رفض الشيخ تميم هو إشارة إلى أنه يعتقد أن قطر يُمكنها التفاوض مع المملكة من موقع قوة، إذ أن القادة السعوديين، المُتورِّطين في عدد من الجبهات الأخرى، يحتاجون إلى نصر. وكما قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لمحطة “سي أن أن” أخيراً، ما زال البَلَدان “في مرحلة مبكرة للغاية” في عملية إعادة بناء الثقة.

بدأت الأزمة في تموز (يوليو) 2017، عندما قامت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر في خطوةٍ مُنَسَّقة بقطع جميع العلاقات الديبلوماسية مع الدوحة وفرضت حصاراً على قطر، مُتَّهِمةً إياها بدعم الإرهابيين والإلتحاق بإيران وتركيا، وكلاهما منافسان إقليميان للرياض. نفت قطر بشدة هذه الإتهامات، التي صاغتها الكتلة في قائمة تضم 13 مطلباً لإنهاء الأزمة، بما فيها قطع العلاقات مع إيران، وإغلاق شبكة “الجزيرة” الإخبارية في الدوحة، وإنهاء الدعم ل”المنظمات الإرهابية والطائفية والإيديولوجية” بما فيها جماعة “الإخوان المسلمين”.

في قيادتهما لمقاطعة قطر فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، لم يكن هدفهما تقليص دعم الدوحة للجماعات الإسلامية فحسب، بل أيضاً إعادة توجيه سياستها الخارجية بعيداً من البلدان والأحزاب التي تُعتَبر مُعادية للمصالح السعودية والإماراتية. لكن بدلاً من القبول بتلك المطالب الشاملة، فقد دفعت المقاطعة قطر إلى تعميق علاقاتها مع تركيا وإيران. منذ العام 2017، زادت الدوحة وأنقرة من تدفقات التجارة والإستثمار الثنائية والتبادلات الديبلوماسية الرفيعة المستوى والتعاون العسكري. كما عزّزت إيران صادرات المواد الغذائية إلى قطر، مما ساعد على تخفيف إعتماد الدوحة على جسرها البري مع المملكة العربية السعودية في ما يتعلق بالواردات الزراعية. وعلى الرغم من أن الحصار قد قلّل من رغبة قطر في دعم المتمردين الإسلاميين في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أنها لا تزال تُشارك بنشاط في جهود حل النزاعات في شرق إفريقيا وقطاع غزة.

تمكّنت قطر بفعالية من التحايل على آثار الحصار من خلال مزيج من الموارد الإقتصادية والقوة الناعمة، ومن خلال تعزيز العلاقات مع الدول العربية الأخرى. في العام الفائت، قدّمت إلى الأردن حزمة مساعدات بقيمة 500 مليون دولار لتعزيز اقتصاده المُتعثّر، بما في ذلك فرص عمل مضمونة ل10,000 أردني في قطر. إن هذا الاستثمار آتى ثماره في الصيف الماضي، عندما وافقت عمّان على تطبيع العلاقات الديبلوماسية مع قطر، بعد خفض مستوى العلاقات في البداية في العام 2017. وقد تعزّز الموقف التفاوضي لدولة قطر من خلال استجابة وطنية عالية من سكانها، الذين التفّوا حول قيادة تميم، واقتصاد الإمارة القوي. لقد انتعش نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي من 1.6 في المئة إلى 2.1 في المئة في العام 2018، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 3.4 في المئة بحلول العام 2021. ومن المُرتَقَب أن تحتفظ الحكومة أيضاً بفائضٍ في الموازنة العامة لعام 2019.

المملكة العربية السعودية، من ناحية أخرى، تجد نفسها في وضع أضعف الآن مما كانت عليه في العام 2017، حيث تُكافح من أجل التصدّي للنقد الدولي بسبب مجموعة من القضايا، بما فيها سجلّها المحلي في مجال حقوق الإنسان، ومقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول، والحرب التي تقودها السعودية في اليمن. ستعود جميع هذه القضايا إلى دائرة الضوء في العام 2020، حيث أصبحت المملكة أول دولة عربية تتولى الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين. ستكون هذه فرصة مهمة لإعادة ضبط خطوات السياسة الخارجية للرياض وإعادة تحديد القيادة المضطربة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بدءاً من حلّ الأزمة مع قطر.

إن الولايات المتحدة، الشريك الأمني الأكثر أهمية للمملكة العربية السعودية، تعمل أيضاً من جهتها على دفع جميع الأطراف المشاركة في النزاع للتغلب على خلافاتهم في محاولة لجعل سياسة الرئيس دونالد ترامب المُتمثّلة في “الضغط الأقصى” على إيران أكثر فعالية. إنه تحوّلٌ كبير بعد أن رحّب ترامب في البداية بالحصار المفروض على قطر وحتى بدا وكأنه ينسب إليه الفضل في ذلك. كان لدى الوفد الأميركي إلى منتدى الدوحة السنوي في كانون الأول (ديسمبر) الفائت رسالة واضحة ومُتّسقة بشكل غير معتاد: إن الانقسامات بين حلفاء أميركا في الخليج لا تخدم المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، وأن إدارة ترامب تدعم قطر بالكامل، التي ما زالت تستضيف أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط.

لم تَفُت هذه الرسالة على الرياض ولم تمر مرور الكرام. في الوقت عينه، أظهرت الهجمات الإيرانية الأخيرة على المنشآت النفطية في شرق المملكة حدود الضمانات الأمنية الأميركية، مما جعل وحدة مجلس التعاون الخليجي أولوية عليا.

ونتيجة لذلك، فإن لدى الرياض كل الأسباب لدفع المحادثات والتوصل إلى اتفاقٍ، عاجلاً وليس آجلاً. تحرص قطر أيضاً على تطبيع العلاقات مع شركائها في دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن بالنظر إلى أنها نجحت في التغلب على العاصفة وتجد نفسها في وضع تفاوضي قوي، فمن المُحتمل ألا تفعل ذلك من دون الحصول أولاً على ضمانات مُعيّنة. على سبيل المثال، لن تقطع أو تُخفّض قطر علاقاتها مع تركيا، لأن هذه العلاقة أثبتت جدواها، ويرى القادة القطريون أنها موازنة مهمة لطموحات المملكة العربية السعودية الإقليمية الأوسع. من المرجح أن تُقدم الدوحة ضمانات هادئة بشأن حدود علاقتها بإيران، في حين أن بقية المطالب التي قُدِّمت في العام 2017 قد يتم تعليقها ووضعها على الرف. قد ينتهي الأمر إلى حلّ مُحتمَل يُشبه الاتفاقية التي حلت صَدَعاً سابقاً بين دول مجلس التعاون الخليجي في العام 2014 في أعقاب “الربيع العربي”، على الرغم من أن هذا الإتفاق لم يتم نشره على الإطلاق، وهناك بعض الخلاف حول ما ينطوي عليه، خصوصاً في ما يتعلق بدعم قطر لمجموعاتٍ مثل جماعة “الإخوان المسلمين”.

ومع ذلك، فإن حقيقةَ أنه من مصلحة الطرفين حلّ الخلاف فإن الأمر لا يعني بالضرورة أنه سيكون سَلِساً. تعرف قطر أن المملكة العربية السعودية في عجلة من أمرها، لذلك ستأخذ وقتها حتى يتم تلبية مطالبها. بعد أيام قليلة من عدم حضور الشيخ تميم لقمة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، فقد ظهر في تجمّع لزعماءً من جميع أنحاء العالم الإسلامي في كوالالمبور، وهو اجتماع حضره أيضاً زعماء إيران وتركيا، لكن تجاهلته المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. من الواضح أن قطر تنوي الإشارة إلى أنه حتى إذا كانت تقوم بإصلاح الأسوار والعلاقات مع جيرانها في الخليج، فإنها لن تتخلّى عن شراكاتها الجديدة أو تُعيد تنظيم نفسها ببساطة داخل المدار السعودي.

بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كانت ستتمسك بمواءمة سياستها الخارجية مع الخط المتشدد لدولة الإمارات، على الرغم من المخاطر الإقتصادية. الرياض ليست في وضعٍ جيّد للمساومة، بالنظر إلى جهودها لإعادة تأهيل سمعتها العالمية وحاجتها الماسة إلى الإستثمار الأجنبي لتحفيز جدول أعمال ولي العهد الإقتصادي الطموح. هذا يعني أنه من المرجح أن يتوصل الأمير محمد بن سلمان إلى حلول وسط لم تكن مُتصَوَّرة قبل عامين فقط، حتى لو كان ذلك يعني الإنفصال عن الإمارات بشأن عزل قطر والضغط على إيران. مع تحوّل بقعة ضوء مجموعة العشرين قريباً إلى المملكة العربية السعودية، من المحتمل أن تُقرر المملكة بلع اعتزازها والتصالح مع قطر لأنه أكثر أهمية من استمرار النزاع لمجرد تسجيل نقطة أو موقف.

  • نيل كيليام هو زميل مشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “تشاتام هاوس” والمدير التنفيذي لشركة “Castlereagh Associates، وهي شركة استشارية للمخاطر السياسية مقرها لندن.
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى