إيران تستطيع إيجاد قاسم سليماني جديد

كان قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني شخصاً مُهمّاً جداً في الجمهورية الإسلامية، لكن ليس معنى ذلك أنه لا يُمكن الإستغناء عنه أو إيجاد بديل منه يكون مهماً وموازياً له أيضاً.

 

الجنرال إسماعيل قاآني: هل يستيطع ملء الفراغ الذي خلّفه سليماني؟

بقلم دانيال بايمان*

إحدى أقوى الحجج لقتل الجنرال قاسم سليماني – قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، والذي قُتل في غارة جوية أميركية الأسبوع الفائت – هي أنه كان خطيراً بشكل غير عادي، وربما بشكل فريد. أعلن مارك دوبويتز، وهو من صقور إيران في “مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات” (Foundation for Defense of Democracies)، أن سليماني “كان مُعادلاً لقائد قيادة العمليات الخاصة المشتركة ومدير وكالة المخابرات المركزية ووزير الخارجية الإيراني الحقيقي”، ووصف موته بأنه “مُدَمِّر” للحرس الثوري الإيراني و النظام الايراني. وعبّر أندرو إكسوم، المسؤول السابق في إدارة أوباما، عن مشاعر مماثلة. وقد كتب في “الأطلنتيك”: “كان سليماني يعادل في أميركا ديفيد بترايوس وستان ماكريستال وبريت ماكغورك معاً”. وأضاف إكسوم أن إيران تواجه نقصاً في رأس المال البشري و”لا أعرف أيّ إيراني واحد آخر لا غنى عنه لطموحات حكومته في الشرق الأوسط”.

إن دور سليماني الرئيس وافتخار الحكومة الإيرانية بإنجازاته يجعلان من السهل المبالغة والإدعاء بعدم القابلية للإستغناء عنه وإيجاد قائد مثيل. خليفة سليماني، نائبه الجنرال إسماعيل قاآني، سوف يجلب بالطبع مهارات ومواهب مختلفة لهذا المنصب. لكنه سيرث الشبكات والمؤسسات القائمة التي لم تكن تعتمد فقط على الرجل الذي ساعد في بنائها.

بالتأكيد، ليس هناك شك في أن وفاة سليماني تُمثل خسارة جسيمة لإيران. يتمتع قائد فيلق القدس بخبرة طويلة في الحرب الثورية. لقد رعى شخصياً العلاقات مع “حزب الله” اللبناني، والجماعات الحوثية في اليمن، والإسلاميين الفلسطينيين (حماس والجهاد الإسلامي)، والجماعات شبه العسكرية في العراق، والمكوّنات الأخرى التي أطلق عليها المُحلّلون “شبكة تهديدات إيران”. كما وُصف بانتظام بأنه ذو شخصية جذابة وصاحب كاريزما، ومع مرور الوقت خلقت منه خبرته وسمعته نجماً في حد ذاته، الأمر الذي منحه قوة إقناع لدى محاوريه. كان سليماني يتحدث اللغة العربية، وساعده ذلك في سد الفجوة الثقافية بين إيران الناطقة باللغة الفارسية والعديد من العملاء المُحتَمَلين في العالم العربي. لعب سليماني بالفعل دوراً مهماً في قيادة العمليات شبه العسكرية للجمهورية الإسلامية في المسارح الرئيسة مثل لبنان في تسعينات القرن الفائت، ثم أصبح أكثر أهمية لطموحات إيران عندما انزلق العراق إلى الفوضى عقب الغزو الأميركي في العام 2003. وقد نما دوره بشكل أكبر بعد الحرب الأهلية السورية في العام 2011. في كلتا الحالتين، تمكّن سليماني من إدارة عملاء إيران بنجاح كبير، مما أدى إلى توسيع نفوذ طهران بشكل عظيم.

كان سليماني شخصية محلية مهمة. على الرغم من أنه كان في البداية شخصية غامضة، إلّا أن إيران قامت مع مرور الوقت بتلطيف صورته، مما منحه وضعاً ساحرًا ومُبدعاً باعتباره المدافع البطل للبلاد. واجه النظام الإيراني مشاكل اقتصادية حادة، ويُعزى ذلك جزئياً إلى حملة “الضغط الأقصى” الأميركية التي أعقبت الإنسحاب الأميركي من الصفقة النووية الإيرانية. البطل الذي يُصوَّر على أنه يقاتل أعداء البلاد عزّز المكانة العامة للنظام. وغالباً ما كانت تظهر دعاية تتمحور حول سليماني مثل ظهوره مع الأطفال أو ارتداء كفية فلسطينية عندما كان النظام يشعر بالحاجة إلى تلميع أوراق اعتماده مع الجمهور.

قارن بعض المحللين بين قتل الولايات المتحدة لزعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن وزعيم “الدولة الإسلامية” أبو بكر البغدادي، ومقتل كليهما وجه ضربتين شديدتين للجماعات الإرهابية. لكن هذه المقارنة تحجب أكثر مما تُنير. غالباً ما تعتمد الجماعات الإرهابية الجهادية السنية اعتماداً كبيراً على القائد “الكاريزمي”. على النقيض من ذلك، فإن إيران والحرس الثوري الإيراني لديهما طابع مؤسسي جيد، كما يوضح قرار الخلافة السريع.

في الواقع، كما تُشير المحللة الإيرانية سوزان مالوني، لقد فقدت إيران بانتظام قادة في ساحة المعركة منذ الأيام الأولى للثورة. الحرس الثوري، مع سنوات عديدة من الحرب غير التقليدية، لديه مجموعة مهمة من الضباط ذوي الخبرة. كان سليماني، بالطبع، ضابطاً ماهراً، ولكن إحدى السمات المميزة للقائد العظيم هي أنه ينشئ مؤسسات ويُلهم آخرين. بالإضافة إلى ذلك، لدى إيران تقليد يتمثّل في مكافأة الضباط العدوانيين، مما يُشير إلى أن خلفاء سليماني قد يكونون أيضاً مُتحمّسين للمواجهة.

قد يكون “حزب الله” اللبناني – الحليف الأهم والأقوى لإيران – هو المقارنة الأنسب. في العام 1992، قتلت إسرائيل زعيم “حزب الله” آنذاك عباس الموسوي. وبدا في حينه أن هذا القرار كان جيداً بالنظر إلى مهارة الموسوي وكاريزماتيته، وكذلك البراعة التي أظهرها “حزب الله” على مدى ما يقرب من عقد، آنذاك، من القتال ضد إسرائيل. “حزب الله”، مع ذلك، مؤسساتي بشكل جيد ولديه قاعدة عميقة من القادة ذوي الخبرة. وقد تبيّن أن خليفة الموسوي، حسن نصر الله، كان واحداً من أكثر القادة كاريزماتية وجاذبية وكفاءة في عصرنا.

تحت قيادة سليماني، وسّع الحرس الثوري الإيراني شبكاته في الشرق الأوسط والعالم. لكن سليماني، بالطبع، لم يُدِر كل أو حتى معظم الشبكات على أساس يومي، تاركاً ذلك لأتباعه، بما في ذلك قاآني، الذي كان ناشطاً في أفغانستان وغيرها من المسارح. ستبقى العُقَد والبراغي في العلاقات في مكانها حتى مع وجود رجل جديد في القمة.

ستحاول إيران أيضاً أن تلعب سليماني كشهيد، بل إنها تفعل ذلك بالفعل في حملتها الدعائية وبإرسال جثته إلى مدن أضرحة متعددة في إيران للحداد. وفي الوقت الحالي، يتجمع الإيرانيون ضد الإضراب، مما يسمح للنظام بإيقاف الاضطرابات التي ابتُليت بها البلاد لأشهر عدة، على الأقل حتى الآن. من المرجح أن يُثني الحرس الثوري الإيراني على وجه الخصوص على سليماني في السنوات المقبلة، مُستخدماً مثاله لإلهام الفيلق ككل.

إن الشخصية العامة لسليماني هي التي ربما لا يُمكن تعويضها، على الأقل في المدى القصير. الأبطال، مع ذلك، يُمكن خلقهم. يستخدم النظام الإيراني الدعاية بمهارة، وقد يرفع قاآني أو ربما قائد آخر لملء دور المدافع البطل الذي احتله سليماني بين الناس المهمين في النظام. إذا قامت إيران بالرد وتبعت ذلك مواجهة أوسع نطاقاً مع الولايات المتحدة، فقد يلعب النظام إنجازات أحد قادة إيران لإلهام الجمهور. هذا الأمر مرجح بشكل خاص إذا استمر الإستياء الشعبي من النظام.

إن وفاة سليماني هي ضربة لقوات الحرس الثوري الإيراني وقدرات إيران الشاملة. ومع ذلك، سيكون من الخطأ الإفتراض أن موت قائد عسكري واحد، مهما كان عظيماً، سيُغير بشكل كبير سياسات إيران أو قدرتها على التدخل وإحداث الفوضى في جميع أنحاء العالم.

  • دانيال بايمان أستاذ في جامعة جورج تاون وزميل كبير في معهد بروكينغز. يُمكن متابعته على تويتر: @dbyman
  • كُتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى