أَيها اللبنانيون: إِياكم والأَرقام الـمُمَيَّـزة لسياراتكم!!

بقلم هنري زغيب *

في مطالع تشرين الأَول (أكتوبر) الماضي، كانت الضريبةُ الـمفاجئة على مخابرات الــ”واتسآپ” شرارةً أُولى انفجر منها بركانُ ثورة تشرين اللبناني، وما زالت الثورة شاعلةً تسطِّر صفحةً ساطعةً في تاريخ لبنان الحديث.

ضريبةُ الــ”واتسآپ” كانت “بوعزيزي” الثورة اللبنانية. أُلغِيَت الضريبة لكن الثورة أَكملَت فاتحةً أَنفاقَ الهدر والفساد وما زالت تلاحقها ولن تنكفئَ حتى ترى في السجون مَن كانوا، باسم السلطة والتسلُّط، زبانيةَ الهدر والفساد.

وفي مطلع ذاك التشرين ذاته، فيما اللبنانيون يملأُون الساحات الـمباركة والشوارع الغاضبة، منصرفين عن كل شيْءٍ عدا تأْجيج ثورة العصر، صدَر في 1 تشرين الأَول (أكتوبر) 2019 قرارٌ رقم 1762 بتوقيع من وزيرة الداخلية ريّا الحسن موضوعه “تصنيف أَرقام اللوحات المميزة”، فارضًا ضريبةً جديدة على أَصحاب السيارات ذات “الأَرقام الـمُفَصَّلة في جدول مفصَّلٍ ملحقٍ بالقرار” يشمل نحو نصف سكان الجمهورية اللبنانية السعيدة لكثرة ما توسَّع خيال واضعي القرار “اللذيذ” بـجداولَ طويلةٍ لأَرقام لوحات السيارات حتى يكاد لا يخلو بيت في لبنان من فخ الانقضاض عليه، وفْق عبقرية مَن راحوا يترصَّدون كل رقمين متشابهين أَو ثلاثة أَرقام متشابهة في رقم السيارة كي يفرضوا على المواطنين الأَحباء ضريبةً سنوية جديدة زيادةً على رسم المعاينة السنوية وزيادةً أُخرى على رسم الميكانيك السنوي، ضريبةً جديدة تتراوح بين 100 أَلف و750 أَلف ليرة لبنانية.

هكذا، فيما الناس ملْءَ الساحات والشوارع، وأَجهزة الإِعلام تتابع المواطنين في الساحات والشوارع، والمواطنون منصرفون إِلى قلقِهم الفاجع بين الاستجداء على أَبواب المصارف، والخوف الفاجع على مدَّخراتهم في المصارف، والحصار الإِعلامي الفاجع الـمُنذر كلَّ يوم بانهيار الاقتصاد وانهيار سعر الصرف بين الليرة والدولار، وانهيار وزن الرغيف، وانهيار وجود بعض الأَدوية من الصيدليات، وانهياراتٍ أُخرى ترعبُ المواطنين، وْسط تلك الهموم الـمفترسة فوجئَ المواطنون بمهلةٍ قصوى لدفع الضريبة الجديدة تنتهي مع النهار الأَخير من سنة 2019، فهرعوا إِلى مكاتب “ليبان ﭘــوست” يـحتشدون مكدَّسين كي يدفعوا للدولة “الحنون” ضريبتها “الحنون” الجديدة، وإِلَّا فالغرامات ستلاحقهم حتى أَحلامهم. وأَمام هذا الهلع الجديد “تَـحنَّنت” عليهم وزيرة الداخلية بقرار رحيمٍ للتريث في استيفاء الغرامات حتى إِقرار موازنة 2020.

نعم: تفتَّقت عبقرية الدولة عن ضريبة جديدة تسلخ بها جلود مواطنيها الأَحباء لـزيادة مداخيلها التي شحت حتى حدِّها الأَدنى. وعوضَ أَن تفكر الدولة في تحسين الجباية من قطاعات كثيرة لا يدفع رسومَها المواطنون غيرُ الأَحباء راحت تلاحق أَرقام السيارات وتفاجئُ اللبنانيين بواحد جديد من “قرارات الغفلة”، وتحشرهم في مهلة قصوى فيما همومهم القصوى تأْمينُ الرغيف وحبةِ الدواء وقسطِ المدرسة.

وكان من المفارقات احتشادُ مواطنين لشِراء أَرقام مميزة أَمَّنت رسومُها في أَيام قليلة ملياراتِ الليرات لخزينة الدولة فيما مواطنون آخرون يبحثون عن موردٍ يائسٍ لحفنة ليرات. هذا من الموزاييك اللبناني المعتاد على التباهي بالكماليات ولو كلَّفت غاليًا، لكنَّ هذا لا يطَمْئِنُ “المواطنين الأَحباء” الذين تترصَّدهم الدولة بــ”قراراتِ غفلةٍ” تواصل الإِنكار لا الاعتبار لثورةٍ تَطوي يومها الثمانين رافعةً علمَ لبنان وسْط ساحات لبنان الثائرة التي وعى اللبنانيون فيها كيف يرفضون ممارسات لبنان الدولة وكيف يتمسكون أَكثر فأَكثر بلبنان الوطن شعبًا واحدًا وانتماءً وحيدًا وأَرضًا موحَّدة.

 

هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني مخضرم. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني التالي: email@henrizoghaib.com أو متابعته على: www.henrizoghaib.com أو www.facebook.com/poethenrizoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى