المُهمّة المُستحيلة!

بقلم كابي طبراني

بعد ما يقرب من شهرين من دون حكومة في الوقت الذي تلوح في الأفق أزمةً مالية واقتصادية واجتماعية خطيرة، إختارت غالبية النواب (69 من أصل 128 عضواً) في البرلمان اللبناني، خلال الإستشارت المُلزِمة التي أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون، رئيسَ وزراء يُتوقّع منه أن يؤلّف حكومة بأسرع وقت ممكن ويُخرِج الأمّة من مأزقها الحالي.

حسّان دياب ليس عضواً رسمياً في أي حزب سياسي، لكنه مدعومٌ من “حزب الله” وحلفائه بقوة. إنه سياسي غير معروف نسبياً، وكان يعمل أستاذاً ونائباً للرئيس في الجامعة الأميركية في بيروت عندما كُلِّف بتشكيل حكومة جديدة يوم الخميس الفائت. في الواقع، لقد تم تكليفه بمهمة مستحيلة تقريباً: إنقاذ بلدٍ على وشك الإنهيار الإقتصادي والمالي والإنفجار الإجتماعي وقد هزّته إحتجاجات شعبية على مستوى البلاد منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت. علماً أنه لا يُعرَف الكثير عن أفكار دياب السياسية وإنجازاته الملموسة، بصرف النظر عن وفرة الأوراق الأكاديمية وتفاصيل السيرة الذاتية والإقتباسات المُلهِمة التي سبق أن أعلنها إلى العالم عبر موقعه على الإنترنت.

تميّزت فترة ولايته كوزير للتربية والتعليم العالي في حكومة نجيب ميقاتي المدعومة من “حزب الله” من العام 2011 إلى العام 2013 – وهو المنصب الوزاري الوحيد الذي شغله قبل تكليفه الأخير – بإعادة تسمية مدرسة عامة على إسم والدته الراحلة، وكذلك بنشر كتابٍ كلّف الوزارة 70 مليون ليرة لبنانية (47 ألف دولار) حول موضوع دياب المُفضّل: حياته، وتطلعاته وتكريماته، وهي خطوة قارنها البعض بكتيبات الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي مع فارق المنصب والدور.

من جهتهم تساءل المتظاهرون عما إذا كانت أوراق الإعتماد هذه وغيرها من الوثائق التي وردت في سيرته الذاتية المُكوّنة من 134 صفحة والمُتاحة عبر الإنترنت تؤهّله لأصعب وظيفة في لبنان. ويتضمّن قسمٌ على موقعه الإلكتروني، وضعه تحت عنوان “رؤيتي” (My Vision)، إقتباسات مُلهِمة من الأقوال الحكيمة لرجالٍ مشهورين، من كونفوشيوس إلى “رالف والدو إيميرسون” وغيرهما، إستخدمها في خطبه. يكتب، على سبيل المثال، إن ما يتخيّله “ليس أقل من تغيير العالم، لكنني أُدركُ أن الخطوة الأولى تبدأ بتغيير نفسي” – وهي نيّة جديرة بالثناء، وإن كانت طموحة، والتي لا شك أن المواطنين اللبنانيين سيحتفظون بها ليوم الحساب في الأسابيع المقبلة.

حتى الآن، لم يقتنع المحتجّون بملفه الشخصي للعودة إلى منازلهم، أو بأن رئيس الجمهورية قد وجد أخيراً الشخص المناسب لإنهاء الفساد المُستشري وسوء إدارة الأموال الحكومية، وإصلاح النظام السياسي في البلاد. لقد استمرت المظاهرات خلال عطلة نهاية الأسبوع بعد فشل ترشيح دياب في تأمين الدعم السني، حتى من ميقاتي وكتلته، والذي خدم في حكومته. أعضاء البرلمان الوحيدون الذين أيدوا ترشيحه ينتمون إلى “حزب الله” وحلفائه في “حركة أمل” و”التيار الوطني الحر” – وهي علامة تبعث على القلق إذ أن الحزب الشيعي يحاول تخريب التوازن الدقيق في السياسة اللبنانية. وأن يأتي دياب أيضاً بدعم من وزير الخارجية المستقيل جبران باسيل – الرجل الذي هاجمته الإحتجاجات بشدة – لا يُعتبَر أمراً جيداً بالنسبة إلى المُنتَفضين. كما لا يبشر هذا الأمر بالخير لمستقبل لبنان حيث من المتوقع أن يجذب رئيس الوزراء المدعوم من “حزب الله” المزيد من العقوبات الأميركية ويوجّه البلاد بعيداً من المجتمع الدولي وحلفائه التاريخيين في العالم العربي، في وقت تحتاجهم فيه بيروت بشدة.

وقد نفى دياب الزعم بأنه مُدين ل”حزب الله” أو تابع له، ويصرّ على أنه التكنوقراط الذي يًطالب به المتظاهرون لرئاسة حكومة خبراء من دون انتماءات سياسية، وهو أحد المطالب الرئيسة للإنتفاضة. كما يقول أنه سيُعطي الأولوية للحصول على دعم الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. أما “حزب الله” فهو يُعارض والجماعات التابعة له والحليفة معه فكرة تشكيل حكومة مؤلّفة فقط من التكنوقراط ويضغط جميعهم من أجل تشكيل حكومة تضم سياسيين طائفيين.

والسؤال: هل سينجح دياب في تشكيل حكومة من شخصيات وخبراء مستقلة عن الأحزاب السياسية وأكثر حيادية والوقوف في وجه القادة الذين صنعوا مسيرته السياسية حتى الآن؟ الجواب لا شك سيكون في الأيام المقبلة.

ولكن من أجل لبنان، لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يتمسّك الرجل بإعلانه على موقعه الذي يقول بأنه سيجعل بلده – إن لم يكن العالم – مكاناً أفضل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى