ثوّار لبنان يحاربون على جبهتين!

يوسّع المتظاهرون اللبنانيون بيكار أهدافهم من أجل تحقيق طموحاتهم حيث يسعون الآن إلى إحداث تغيير في النقابات الراسخة مع إنشاء نقابات جديدة لا يُسيطر عليها السياسيون.

جاد تابت: كان أول الغيث في 2017.

 

بقلم لين أبي رعد*

منذ 17 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، ثار اللبنانيون ضد الطبقة الحاكمة، التي يتّهمونها بالفشل في توفير الرخاء الإقتصادي والحرية والإستقرار. في وقت مبكر، أدرك المتظاهرون دور المؤسسات في أي عملية إصلاح. ولكن في ظل عدم احتمال إجراء إنتخابات مُبكرة، حوّلت حركة الإحتجاج إهتمامها نحو دفع وتحقيق أهدافها من خلال النقابات المهنية والإتحادات العمالية، التي هيمنت عليها واستمالتها الطبقة السياسية إلى حد كبير منذ تسعينات القرن الفائت.

في هذه المعركة من أجل النقابات والإتحادات، تقدّمت حركة الاحتجاج على جبهتين. في انتخابات نقابات مُعَيّنة، خاضت الانتخابات ضد المرشحين المدعومين من الطبقة السياسية التقليدية. بالتوازي مع ذلك، سعت إلى إنشاء نقابات أو إتحادات مستقلة لتجسيد مطالب وروح الإنتفاضة بشكل أفضل.

كانت معركة رئاسة نقابة المحامين في بيروت أول فوز مؤسّسي واضح للإنتفاضة. في انتخابات 17 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، فاز المرشح المستقل ملحم خلف على منافسه المدعوم من الأحزاب السياسية. وهذا يُمثّل تحوّلاً في النقابة، التي ترأسها في السنوات الأخيرة أعضاء مدعومون سياسياً. من المؤكد أن الرغبة المتزايدة بين المهنيين لدعم المستقلين قد بدأت قبل فترة طويلة من الإنتفاضة، لا سيما في نيسان (أبريل) 2017. في ذلك الوقت، تم انتخاب جاد تابت، وهو مستقل آخر، رئيساً لنقابة المهندسين في بيروت. ومع ذلك، كان تابت يتمتع بدعم حزب سياسي تقليدي، حزب الكتائب، وفاز فقط بهامش 21 صوتاً، أقل بكثير من ال800 صوت الفارق الذي حققه خلف.

كان لفوز خلف معنى أكبر لأنه جاء في وقت حرج حيث كانت هناك تساؤلات حول قدرة حركة الإحتجاج على ترجمة قوتها في الشارع إلى انتصار انتخابي. أندريا مكاري، الخريجة الشابة التي عملت في حملة خلف واجتازت الإختبار أخيراً للإنضمام إلى نقابة المحامين في بيروت، وصفت الأجواء خلال جولة الإعادة ضد المرشح المدعوم من الأحزاب: “عندما تمّ نشر النتائج، لا يمكنك تخيّل مقدار الفرح الذي ملأ قصر العدل! لقد انفجرنا بالفعل بالبكاء”. مع الصعاب التي كان يواجهها خلف، فإن الفوز كان عاطفياً بشكل خاص لأنصاره.

أصبح خلف معروفاً باسم مُرشّح الإنتفاضة. بعد فوزه، رفع محامو قصر العدل أياديهم، وهتفوا “ثورة! ثورة! “وأنشدوا النشيد الوطني، مُردّدين هتافات المتظاهرين في جميع أنحاء البلاد. منذ ذلك الحين، اتخذ خلف موقفاً مدافعاً عن الإنتفاضة، مُسّجّلاً خروجاً كبيراً عن سلفه، أندريه شدياق، الذي كان مدعوماً من “التيار الوطني الحر” الذي أسسه الرئيس ميشال عون. في عهد شدياق، فشلت نقابة المحامين في بيروت في دعم المتظاهرين، حيث ظلت صامتة في أثناء عمليات الإعتقال والاحتجاز التعسفية. في الواقع، أيّدت النقابة عُرفاً منعت بموجبه المحامين من الإحتجاج برداء المحاماة من دون إذن مُسبَق. في المقابل، وفاءً بوعده بتمثيل أي شخص يحتاج إلى محامٍ، خرج خلف إلى الشوارع في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) عندما قُبض على عشرات المحتجين في ساحة رياض الصلح ولعب دوراً حاسماً في تأمين إطلاق سراحهم.

لقد رَمَزَ فوز المستقلين إلى الأمل للعديد من المحامين الشباب الذين خاب ظنّهم في الأحزاب الحاكمة. المحامون في لبنان، مثلهم مثل العديد من المهنيين الآخرين، ينتمون في الغالب إلى أحزاب سياسية للمضي قدماً في حياتهم المهنية. وقد روت لي خريجة كلية الحقوق، رومي بولس، عن تجربتها عند إجرائها مقابلة مع شركة قانونية كبرى. فبعد أن أخبرت محاورها أنه ليس لديها أي انتماء سياسي، قال ذلك الشخص، “عليكِ أن تكوني مُنتمية سياسياً لكي تنجحي كمحامية في لبنان. يجب عليك اختيار حزب وإلّا فسوف تفشلين”. رافضةً العمل ضد معتقداتها، تولّت بولس وظيفة في الخارج. ومع ذلك، فإن فوز المستقلين أعطاها الأمل في الحصول على عمل في لبنان.

وتعتقد مكاري أن هناك فجوة واضحة بين الأجيال في اللعبة، حيث عاشت ذلك في أثناء عملها مُمثّلةً لخلف في أحد مراكز الإقتراع. كان المحامون الشباب يبتعدون من السياسيين التقليديين، بينما كان المحامون في منتصف العمر ما زالوا يتشبثون برعاتهم السياسيين ويرفضون الانتفاضة. ومع ذلك، كان اللافت هو عدد المحامين المتقاعدين الذين يدعمون الموجة المستقلة، بعد سنوات من تجربتهم مع هيمنة الأحزاب.

بصرف النظر عن تسجيل إنتصارات إنتخابية في النقابات القائمة، يقوم المستقلون بإنشاء نقابات وجمعيات بديلة تشارك بنشاط في الانتفاضة. ومن الأمثلة الجديرة بالملاحظة “تجمّع مهنيات ومهنيين”، الذي يصف نفسه على صفحته على فايسبوك بالتالي:”نحن تجمع مهنيات ومهنيين من قطاعات مختلفة، نُعلن أننا جزءٌ فاعلٌ من انتفاضة ١٧ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٩ في وجه الطبقة الحاكمة”. وهو يعمل كمؤسسة مظلة لجمعيات مهنية مستقلة مثل “تجمع االأساتذة المستقلين في الجامعة”، و”تجمع نقابات الصحافة البديلة”، و”تجمع الموظفين المستقلين”، كما يُشجع ويدعم أنشطتها ومبادراتها. ويعقد “تجمع مهنيات ومهنيين” أيضاً مناقشات عامة خاصة وينظم المسيرات والاحتجاجات المتعلقة باستقلال النقابات والاتحادات ودورها في الانتفاضة الحالية. وقد أشاد بفوز ملحم خلف على أنه “انتصار للثورة وخسارة للأحزاب الحاكمة” وبداية عملية تحرير النقابات والإتحادات من هيمنة الأحزاب الحاكمة ونظام عملائها.

المعركة من أجل النقابات والمنظمات العمالية المستقلة والتمثيلية والديموقراطية هي نموذج مُصغّر للكفاح الأكبر في شوارع لبنان. الإنتصارات الإنتخابية للمرشحين المستقلين ترمز إلى فوز صغير على الطريق نحو انتصارات أكبر في الانتخابات البرلمانية المقبلة. النقابات والاتحادات لديها القدرة على لعب دور أكبر في الانتفاضة. يمكنها توحيد الأعضاء وحشد الدعم وإظهار قوتها في الشوارع، كما فعلت تاريخياً وراهناً خلال الإحتجاجات الحالية.

الأهم من ذلك في الأسابيع المقبلة، يمكنهم تولي دور قيادي وتوجيه مطالب الانتفاضة إلى أي حكومة جديدة، الأمر الذي قد يكون ضرورياً بشكل خاص مع تدهور الوضع الاقتصادي. لقد أظهر التاريخ، مراراً وتكراراً، قوة وقيمة الحركات المهنية والعمالية الموحدة والمستقلة في المطالبة بالتغيير وتحقيقه.

  • لين أبي رعد مُنسّقة التنمية والإتصالات في مركز كارنيغي للشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى