سيرك حقوق الإنسان الأميركي يحطّ في هونغ كونغ

بقلم البروفسور بيار الخوري*

جاء توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قانون حقوق الإنسان والديموقراطية في هونغ كونغ في لحظة حرجة من المفاوضات الجارية بين الصين والولايات المتحدة لحلّ أضخم نزاعٍ تجاريّ في تاريخ العالم.

وقد بدا الرئيس الأميركي كأنه غير راغبٍ بالتوقيع بل مُجبَرٌ عليه بعد توافق مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس على نص القانون بأكثرية واسعة، حيث شَفَعَ التوقيع بإعلان احترامه وصداقته للرئيس الصيني شي جين بينغ، وكأن الرئيس ترامب يقول أنه قد وقّع تحت ضغط المَجلِسَين، أو كأنه استشعر أن هذا القانون ليس مُوَجَّهاً ضد حكومة هونغ كونغ او الحكومة الصينية بقدر ما هو مُوَجَّه لاحتمال فوزه بولاية ثانية.

يعمل الرئيس ترامب على النجاة باتفاق إطار مع القيادة الصينية يسمح له تسويق إنجازه في الحرب التجارية قبل اشتداد الحملة الإنتخابية الاميركية.

دعنا نتخيّل مثلاً السيناريو التالي: الرئيس الصيني يُوقّع على قانون حقوق الانسان والديموقراطية في ولاية فلوريدا الأميركية، أو قانون الحق باستقلال ولاية تكساس عن الولايات المتحدة الاميركية، أو حتى قانون حماية الحقوق الإنسانية للعمّال المكسيكيين في الولايات المتحدة. قوانين تمتلك من الغرابة قدر ما يمتلك قانون هونغ كونغ الأميركي.

لا تريد واشنطن ان تقتنع أن هونغ كونغ هي جزء من جمهورية الصين الشعبية، وأن سنّ القوانين المُتعلّقة بها هو اعتداء على القانون الدولي قبل ان يكون اعتداءً على الصينيين أنفسهم. يحصل ذلك لأن الولايات المتحدة لا تتصرف بصفتها حامية القانون الدولي والحقوق المُتفرّعة منه بما في ذلك حقوق الإنسان والقيم الديموقراطية فحسب، ولكن بصفتها تمتلك أيضاً الحق المُطلَق في خرق هذا القانون واستنسابية تطبيقه وتطويعه وإعادة تفسيره بطرق مُتناقضة بحسب الظرف والدولة، ودائماً بما يخدم المصالح الأميركية خارج أي معيار مُوحَّد.

“قانون الديموقراطية وحقوق الإنسان” كان يليق أكثر بلفتة أميركية تجاه الفلسطينيين مثلاً الذين تُمعن في اضطهادهم الإبنة الصغرى لهذه الدولة العظمى التي لا تسمح بمجرد إدانة لفظية لتلك الإبنة  المُتفلّتة من القانون الدولي.

” قانون الديموقراطية وحقوق الانسان” كان يليق أكثر أيضاً بكل الأنظمة غير الديموقراطية التي تدعمها الولايات المتحدة عبر العالم.

لا تسعى أميركا إلي تحسين وضع حقوق الإنسان لا في هونغ كونغ ولا في غيرها. الدولة العظمى تسعى إلى اكتساب أوراق أكبر في الديبلوماسية الدولية. إن فحوى القانون هو فرض عقوبات على المسؤولين في هونغ كونغ والبرّ الصيني، وهذا يعني جرياً على ما شاهدناه في مناطق اخرى من العالم إستخدام ما يُعرَف ب “ديبلوماسية العملة” لليّ أذرع خصومها بالإستناد الى النظام النقدي العالمي الذي يتحكّم به الدولار الأميركي.

لكن ما مدى واقعية ما تطمح له الولايات المتحدة؟

الصين ليست ايران ولا حتى روسيا، واللعب مع التنين له تبعات تتصل ربما بمستقبل سيطرة الدولار على منافذ الإقتصاد العالمي. لم تتخذ الصين بعد أي نقلة كبيرة باتجاه التخلّي عن استثماراتها في الولايات المتحدة، ولكن اميركا تعلم ان الصين تمتلك هذا الخيار جزئياً او كلياً كأكبر مستثمر أجنبي في السندات السيادية خصوصاً والسوق الأميركية عموماً. إن أي عقوبات على المسؤولين الصينيين سوف تجد طريقها للتسلل نحو الشركات الصينية وشبكة أموالها والباقي نعرفه جميعنا جيداً.

مفاعيل القانون في هذه اللحظة تستهدف منع الرئيس ترامب من الإندفاع كثيراً لتحصيل إنجاز ما قبل الإنتخابات الرئاسية الأميركية لعدم خصم ذلك في صناديق الاقتراع. أبعد من ذلك سوف يبقى القانون ذا قوة معنوية فحسب تؤلّب العناصر الأكثر تطرّفاً وعدائية للصين بين متظاهري هونغ كونغ وتعدهم بالمزيد.

  • البروفسور بيار الخوري أكاديمي وباحث إقتصادي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى