كيف يعمل دونالد ترامب لإنهاء القضية الفلسطينية

فيما العالم العربي يتخبط في قضاياه الداخلية والإقليمية، تعمل إدارة دونالد ترامب من دون ضجيج وبطريقة تدريجية على إنهاء القضية الفلسطينية باتباع سياسات مضادة للفلسطينيين وداعمة للإسرائيليين من الصعب على أي رئيس أميركي مُقبل تغييرها.

دونالد ترامب: يسعى إلى إنهاء القضية الفلسطينية كما نعرفها

 

بقلم جايك وَاليس*

كان إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) بأن إدارة دونالد ترامب لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية خطوة أخرى في جهودها لإعادة ضبط وتحديد شروط أي نتيجة مستقبلية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.

وكما فعلت عندما اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، وخفّضت تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تهتم باللاجئين الفلسطينيين، وألغت الإشارة إلى الضفة الغربية وغزة باعتبارها “أراض محتلة”، فإن واشنطن قد عادت مرة أخرى للوقوف إلى جانب الدولة العبرية في قضايا الوضع الدائم المثيرة للجدل، مما أثار استعداء عميقاً لدى الفلسطينيين. وكما قال ترامب عن قرار القدس، فإن الولايات المتحدة تسعى إلى رفع هذه القضايا “عن طاولة المفاوضات”.

إن قرار الإدارة الأميركية عكس الموقف القانوني للولايات المتحدة بشأن المستوطنات المعمول به منذ العام 1978 لم يكن مُتَوَقَّعاً على نطاق واسع في هذا الوقت، لكن لا ينبغي أن يكون مفاجئاً. كان القرار مُتّسقاً مع الخطوات السابقة التي اتخذتها إدارة ترامب لإعادة صياغة قضايا الوضع الدائم الأخرى مثل القدس واللاجئين بطريقة مواتية لإسرائيل. قد يكون التوقيت مُتعلّقاً بعملية تشكيل الحكومة في إسرائيل، ربما على أمل تعزيز وضع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للبقاء في السلطة.

على أي حال، فإن القرار سيُعزز بالتأكيد مكانة حركة الإستيطان والسياسيين اليمينيين في إسرائيل. إن المزيد من التوسّع في المستوطنات – وخصوصاً خارج الكتل الإستيطانية القائمة – سيُقوّض بشكل كبير الإحتمال المُتناقِص لأي حلّ إقليمي في الضفة الغربية. والأسوأ من ذلك أنه قد يُشجّع الضم الإسرائيلي لكل الضفة الغربية أو أجزاء منها، كما أعلن نتنياهو خلال الحملة الانتخابية الأخيرة. وهذا من شأنه أن يكون ضربة قاضية لأي احتمال لحلّ الدولتين.

كان رد فعل الفلسطينيين غاضباً وقوياً على إعلان إدارة ترامب. إن العلاقات بينهم وبين الولايات المتحدة هي أصلاً في حالة توتر نتيجة للخطوات السابقة للإدارة، لذا فإن ردهم قد ركّز على بناء الدعم الدولي لموقفهم من عدم شرعية المستوطنات. ومع ذلك، من الممكن أن يُقدم الفلسطينيون على خطوات تصعيدية أكثر من خلال قطع روابطهم الثنائية الوحيدة المتبقية مع واشنطن والتي تمر عبر القنوات الأمنية.

على مستوى أوسع، يؤكد القرار الأخير الصادر عن الإدارة العزلة المتزايدة للولايات المتحدة على المستوى الدولي بشأن القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية. قبل أيام فقط من إعلان بومبيو، أيّدت محكمة العدل الأوروبية قواعد الاتحاد الأوروبي التي تنص على أنه لا يمكن بيع المنتجات المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية في أوروبا إذا تم تصنيفها على أنها “منتجات لإسرائيل”. بعد تصريحات بومبيو، أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً شديد اللهجة كرّر فيه موقفه الطويل الذي يؤكد عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. وقد أصدرت الأمم المتحدة وغيرها بيانات مماثلة.

واجهت الخطوات الأخرى التي اتخذتها الإدارة الأميركية لمعالجة قضايا الوضع الدائم معارضة واسعة النطاق على الصعيد الدولي. بعد أن قطعت الولايات المتحدة كل تمويل لمنظمة “الأونروا” وسعت إلى إنهاء ولاية الوكالة، صوّتت الجمعية العامة بغالبية 170 صوتا في 15 تشرين الثاني (نوفمبر) لتمديد التفويض حتى العام 2023. وقد عارضت القرار فقط الولايات المتحدة وإسرائيل. وبالمثل، عندما اعترفت أميركا بالقدس عاصمة لإسرائيل وفتحت سفارتها في المدينة، تبعتها دولة واحدة فقط، غواتيمالا.

إن الخطر الأكبر الناجم عن تغيير وعكس موقف الإدارة هو على الأرجح ليس تأثيره في النشاط الاستيطاني في حد ذاته، بل قد يُعطي دافعاً إضافياً لمحرّك اليمين في إسرائيل لضم الضفة الغربية بأكملها أو جزء منها. إن السياسة الأميركية الخاصة بالمستوطنات عرضة للتغيير، لكن الضم سيكون خطوة قانونية لا رجعة فيها من قبل إسرائيل والتي من شأنها أن تدمّر آفاق حلّ الدولتين، وهو الإطار الوحيد الممكن لتسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي يُمكن الإتفاق عليه بين الجانبين .

في غياب مثل هذا الحلّ، سيكون مصير إسرائيل والفلسطينيين أن يعيشا معاً في دولة ثنائية القومية. وسيتعين على إسرائيل حينئذ أن تختار بين قِيَمها الديموقراطية وشخصيتها اليهودية، في حين أن الفلسطينيين لن يكونوا قادرين على تحقيق تطلعاتهم الوطنية.

قد يشير التغيير في موقف الولايات المتحدة بشأن المستوطنات إلى أن الإدارة لم تتخلَّ عن “صفقة القرن”، التي ظلت مُعلَّقة معظم العام بسبب عجز السياسيين الإسرائيليين عن تشكيل حكومة جديدة. من الصعب أن نرى ما تأمل الإدارة في تحقيقه من خلال نشر خطتها بعد أن عزلت الفلسطينيين تماماً. لكن إذا استمرت، فسيكون ذلك دليلاً إضافياً على أن هدفها الحقيقي ليس تعزيز السلام ولكن التراجع الدائم عن أي فرصة لحل الدولتين.

هناك الآن قائمة طويلة من المواقف الأميركية الجديدة تجاه القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية التي سيتعيّن على الإدارة المقبلة معالجتها قبل أن تتمكن من الإنتعاش كراعٍ جاد لجهود السلام في الشرق الأوسط. تضم القائمة الآن مواقف بشأن القدس والمستوطنات واللاجئين، وهو أمر مهم وكبير لأي إدارة في المستقبل. وستُحدِّد تصرفات الإدارة الحالية في العام المقبل ما إذا كان الضرر الذي حدث قد يُمكن عكسه أم لا.

على وجه الدقة، إذا مضت الحكومة الإسرائيلية في عملية الضمّ، ودعمت إدارة ترامب هذا القرار، فإن العواقب لا يُمكن إصلاحها. عند هذه النقطة، سيكون الفلسطينيون وإسرائيل “مسجونَين” في مستقبل ثُنائي القومية، ولن يكون هناك شيء يُمكن أن تفعله إدارة أميركية جديدة أو بقية المجتمع الدولي لإنقاذ الطرفين من مصيرهما المؤسف.

  • جايك واليس هو زميل كبير غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث يركز على القضايا الإسرائيلية – الفلسطينية وتونس ومكافحة الإرهاب.
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى