هل التحالف التركي-القطري مُهَدَّد بالإنفراط؟

يبدو أن تركيا عاتبة على حليفتها قطر بسبب ما بثّته قناة “الجزيرة” الناطقة بالإنكليزية عن التوغّل التركي في شمال سوريا والذي إنتقدت فيه أنقرة أسوة بباقي وسائل الإعلام الغربية. فهل يؤدي ذلك إلى انفراط التحالف؟

صحيفة ” دايلي صباح” التركية: إفتتاحيتها أثارت علامات إستفهام.

 

بقلم بيرول باسكان*

في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري نشرت صحيفة “دايلي صباح” (Daily Sabah)، الناطقة بالإنكليزية والمؤيدة للحكومة في تركيا، مقالة إفتتاحية قاتمة بعنوان: “قناة “الجزيرة” بالإنكليزية: تهديدٌ للتحالف التركي-القطري”. وفقاً للمقالة فقد قامت “الجزيرة” الناطقة بالإنكليزية بتشويه سمعة تركيا بسبب توغّلها العسكري الأخير في شمال سوريا، والمعروفة باسم عملية “ربيع السلام”، وبالتالي عرّضت مستقبل التحالف التركي-القطري للخطر. لإنقاذه، طلبت الإفتتاحية من القناة القطرية “إبعاد جميع الأفراد الذين يسعون إلى تسميم هذا التحالف تحت ذريعة  الصحافة المستقلة”. وإذا لم يتم اتخاذ أي إجراء، تُهدّد الإفتتاحية، فلن يكون لتركيا “أي سبب لدعم وحماية ظهر الدوحة”.

نظراً إلى العلاقة الوثيقة بين الحكومة التركية وصحيفة “دايلي صباح” – وفي الواقع البيئة الإعلامية الأوسع في تركيا – من غير المرجح أن تكون مثل هذه الإفتتاحية المُلتَهبة التي تهدد قطر بشكل مباشر، الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال حليفةً لتركيا، تمّ نشرها من دون ضوء أخضر من “القصر”، كما هو معروف مكتب الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان. ومع ذلك، ما زال من السابق لأوانه القول بأن التحالف التركي-القطري يواجه تهديداً وجودياً. إن المشكلة ليست مُستَعصية، وقطر لديها أسبابٌ قوية لعدم تقويض علاقاتها مع أنقرة: لقد استثمرت الإمارة الخليجية بكثافة في الإقتصاد التركي وهي تحتاج إلى تركيا لموازنة قوة جارَتيها الأكبر، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة .

عندما اندلع “الربيع العربي” في نهاية العام 2010، قلة فقط تخيَّلت مدى قوة التحالف التركي-القطري في السنوات التالية. وفي إشارة إلى قوة التحالف، عندما اندلعت الأزمة الديبلوماسية القطرية في حزيران (يونيو) 2017، التي وضعت الإمارة الصغيرة ضد الرباعية العربية (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين)، إتخذت تركيا موقفاً قوياً مؤيداً للدوحة. وأرسلت الكثير من الإمدادات الغذائية ونشرت قوات في قطر، مُحطّمة بذلك أي أمل لديها لتحسين علاقاتها المتوتّرة فعلياً مع الرياض وأبو ظبي. من جهتها لم تُقصّر قطر التي عاملتها  بالمثل، حيث استثمرت بكثافة في الإقتصاد التركي، بما في ذلك صناعة الدفاع الاستراتيجية، وهرعت إلى مساعدتها خلال أزمة العملة الحادة في صيف العام 2018.

إذن ما الخطأ الذي حدث؟ إنتقدت تركيا منذ فترة طويلة الشراكة الأميركية مع المجموعة الكردية السورية المعروفة باسم “وحدات حماية الشعب” في الحرب ضد “داعش”. إن أنقرة تعتبر أن “وحدات حماية الشعب” هي الفرع السوري ل”حزب العمال الكردستاني”، الذي هي في صراع معه منذ عقود، وبالتالي تُشكل هذه المنظمة تهديداً أمنياً. لقد أصبحت تركيا تشعر بقلق متزايد منذ أواخر العام 2015 بسبب تلقي وحدات حماية الشعب أسلحة ثقيلة وتدريبات من الولايات المتحدة واكتسبت شرعية وشعبية واسعة النطاق في واشنطن والعواصم الأوروبية وحتى في موسكو. في الوقت نفسه، فإن مخاوف تركيا، التي عبّرت عنها مراراً وتكراراً على أعلى المستويات وفي مجموعة متنوعة من المنصات، تم تجاهلها إلى حد كبير.

وكما أفادت وسائل الإعلام على نطاق واسع، فقد تلقّت تركيا الضوء الأخضر من الرئيس دونالد ترامب في 6 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت وأطلقت عملية عسكرية مُخَطَّطة منذ فترة طويلة في شمال سوريا في 9 تشرين الأول (أكتوبر). وقد أوقفت تركيا العملية بعد تسعة أيام، ليس بسبب المقاومة العسكرية لوحدات حماية الشعب، ولكن بسبب الضجة الدولية التي أثارها التوغّل. تحت ضغط من الكونغرس الأميركي، هدّد الرئيس ترامب، الذي أعطى الضوء الأخضر في البداية، تركيا بفرض عقوبات اقتصادية مُدمّرة. وما لبث أن فرض بعض العقوبات على تركيا، على الرغم من أنها لم تكن قاسية مثل تلك التي طالب بها الكونغرس الأميركي وقام بتنفيذها. بالإضافة إلى ذلك، توقّف عدد من الدول الأوروبية وكندا عن بيع الأسلحة إلى تركيا. ونظراً إلى اقتصادها الهشّ بالفعل، لم تستطع أنقرة ببساطة تجاهل هذه التهديدات، وبالتالي خضعت للضغوط الدولية وأوقفت عمليتها العسكرية بعد أن توصلت أولاً إلى اتفاق مع الولايات المتحدة ثم مع روسيا لإعلان وقف إطلاق النار.

خلال عملية “ربيع السلام”، برزت قطر كواحدة من الدول القليلة التي دعمت التوغل العسكري لتركيا في شمال سوريا. مُباشرةً بعد أن بدأت تركيا العملية، أعلن الأمير تميم  بن حمد آل ثاني دعم قطر لها في مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. كما أعرب وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن دعمه، حتى أنه أعلن أن وحدات حماية الشعب هي فرع من حزب العمال الكردستاني، “المجموعة الإرهابية السرية”. وهكذا تحدّت قطر منظمة الجامعة العربية، التي أدانت العملية العسكرية التركية ووصفتها ب”الغزو لأراضي دولة عربية وعدوان على سيادتها”.

ومع ذلك، لم يكن دعم قطر الشعبي كافياً لتركيا. ذلك لأن القيادة القطرية لم تُدرك أن تركيا لم تكن تقوم بعملية عسكرية فحسب، بل كانت تواجه أيضاً أزمة علاقات عامة دولية كبرى – وربما كانت الأسوأ في تاريخها. خلال كل الدراما إنتقدت وسائل الإعلام الدولية الرائدة تركيا بشدة، فيما دعمت بقوة وحدات حماية الشعب. تم تصوير قرار ترامب بإعطاء الضوء الأخضر للعملية التركية على نطاق واسع على أنه خيانة للأكراد وحركة من شأنها أن تُسرّع في عودة ظهور “داعش”، بينما اتهمت تركيا بتنفيذ عمليات تطهير عرقي ضد الأكراد وإساءة معاملة اللاجئين السوريين.

نظراً إلى الصلة القوية التي طوّرتها تركيا مع قطر، توقعت أنقرة من الدوحة تعبئة قوتها الإعلامية لتوفير الدعم، وبخاصة قناة “الجزيرة” بالإنكليزية، والتي يمكن أن تنقل مخاوف تركيا المشروعة إلى المجتمع الدولي الناطق باللغة الإنكليزية.

ولكن هذا لم يحدث. بدلاً من ذلك، وفقاً لمقال صحيفة “دايلي صباح”، نشرت قناة “الجزيرة” بالإنكليزية “دعايةً مُعادية لتركيا. وتحت ذريعة الصحافة المستقلة والموضوعية، إستسلمت الشبكة للتحيّز والأخبار المُزيَّفة لتصوير الإرهابيين المعروفين والهاربين من القانون على أنهم ناشطون مُضطهَدون”. وتابعت الإفتتاحية ب”قفزها على عربة وسائل الإعلام الغربية المُضادة لتركيا، فإن الشبكة شوّهت صورة العملية التركية “ربيع السلام” في الشهر الماضي في شمال شرق سوريا  بتبنيها سرد وما تقوله منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية”.

ومع ذلك، من الصعب تصديق أن القيادة القطرية كانت ستُشجّع “الجزيرة” بالإنكليزية على تغطية العملية العسكرية التركية بهذه الطريقة. في حين أن القيادة القطرية لديها خطوط حمراء مُعيّنة، و”الجزيرة” بالإنكليزية حريصة على عدم عبورها، فإن مشاعر تركيا الشديدة لم تكن بعد من بينها.

في الواقع، بدا أن افتتاحية صحيفة “دايلي صباح” تُدرك ذلك ولم تتهم القيادة القطرية مباشرة، بل “مجموعة صغيرة من الناس” داخل الشبكة وطالبت بإبعادها. بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لتركيا بالنسبة إلى قطر، لن يكون مفاجئاً إذا اتخذت القيادة القطرية بعض الإجراءات التصالحية لمعالجة المخاوف التركية. مع ذلك، فإن مدى هذه التدابير لم تتم بعد رؤيته.

  • بيرول باسكان هو زميل غير مقيم في معهد الشرق الأوسط ومؤلف كتاب “تركيا وقطر في الجغرافيا السياسية المتشابكة للشرق الأوسط (2016). الآراء التي يعبر عنها هي آراؤه الخاصة ولا تُلزم “أسواق العرب”.
  • كُتب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى