فتيل الحرب بين إسرائيل وغزة قد يشتعل في أي لحظة

بعدما تعددت وتكاثرت الحركات المتشدّدة المُناهضة لحكم حركة “حماس” في قطاع غزة فإن احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين القطاع وإسرائيل يتزايد وقد تقع في أي لحظة.

قطاع غزة: لم يعد يحتمل أي مواجهة عسكرية.

 

بقلم هاني البسوس*

إن سلسلة الأحداث الأمنية والتصعيد العسكري على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل تُنذر بفقدان حركة “حماس” جزءاً من سيطرتها الأمنية الكاملة على القطاع. فقد شهدت الأشهر الماضية سلسلة من الهجمات الصاروخية وعمليات التسلّل والإشتباكات المُسلّحة على الحدود الشرقية للقطاع والتي تُعتبَر إستثنائية في الحجم مُقارنةً بالأعوام الفائتة. وكان أهمها في 25 آذار (مارس) 2019 عندما سقط صاروخ بعيد المدى أُطلِق من جنوب غزة على منزل في تل أبيب وأسفر عن إصابة سبعة إسرائيليين من العائلة نفسها. بينما كانت أعنف مواجهة عسكرية في 5 أيار (مايو) 2019 ولمدة يومين متواصلين، حين أطلقت حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وبعض الفصائل الأخرى أكثر من 600 صاروخ باتجاه إسرائيل، في الوقت الذي قصفت القوات الإسرائيلية أكثر من 300 هدف في قطاع غزة. ولم تتوقف المناوشات إلا بعد تدخل مصر والأمم المتحدة للتفاوض على وقفٍ لإطلاق النار.

يبدو أن حركة حماس تستخدم الصواريخ وغيرها من الوسائل العسكرية المختلفة وسيلةً للتفاوض وإحداث توازن عسكري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يُرغم الدولة العبرية على ضبط قواتها فيما تسعى “حماس” إلى التهدئة، وهذا الوضع من شأنه أن يدفع نحو إطلاق مفاوضات جديدة. وكانت الحركة الفلسطينية إتهمت إسرائيل بعدم الإلتزام بالتفاهمات السابقة خصوصاً في ما يتعلق بتحسين الظروف الإنسانية القاسية في غزة وإدخال أموال المساعدات القطرية إلى القطاع. ويبدو كذلك أن الحركة بدأت تفقد جزءاً من سيطرتها لصالح فصائل ومجموعات مسلحة سلفية ومتشدّدة، حيث شهد شهر آب (أغسطس) الفائت تصعيداً عسكرياً متقطّعاً وقُتِل أربعة أشخاص مسلحين ينتمون إلى تنظيم مُتشدّد وهم يحاولون عبور الحدود إلى إسرائيل. وأعلن الجيش الإسرائيلي، وفقاً لموقع “i24News” الإسرائيلي، أنه أحبط هجوماً كبيراً، حيث إن عدد الأشخاص والأسلحة التي وجدت في حوزتهم يُشيران إلى أنها مجموعة منظمة ومعارضة ل”حركة حماس”. وقد أكدت مصادر فلسطينية للموقع الإعلامي نفسه أن المقاتلين الأربعة ينتمون إلى خلية سلفية إنشقت عن “حماس” قبل شهرين من العملية.

ويبدو أن الوضع الراهن هو من نتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة التي وقعت في العام 2014، وقد كانت حرباً ضارية في تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي وخلّفت أضراراً مادية ومعنوية جسيمة في كلا الجانبين ما زالت آثارها ماثلة. وعلى الرغم من الخسائر الفادحة في الجانب الفلسطيني، إلا أن قوة الردع الإسرائيلية قد تآكلت، وبالتالي خضعت الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي لقاعدة “الهدوء مقابل الهدوء”، مع التركيز على التعاطي الإنساني مع الحاجات الأساسية لسكان غزة بالتنسيق مع المنظمات الدولية الإنسانية، بخاصة تلك التابعة للأمم المتحدة.

لقد حاولت الحكومة الإسرائيلية تدجين حركة “حماس” في غزة، حيث إنها فشلت عسكرياً في ردعها، وذلك من خلال تشديد الحصار على القطاع مع محاولة إدخال المواد الأساسية للحفاظ على الحد الأدنى للمعيشة الإنسانية في غزة بموافقة ضمنية من السلطة الفلسطينية في رام الله.

وقد حمل ذلك الوعد بالوصول إلى حالة دائمة من الهدوء ووقف إطلاق النار. بالمقابل تمكّنت “حماس” من تطوير إمكانات الجناح العسكري للحركة (كتائب الشهيد عز الدين القسام) خلال فترة الهدوء النسبي والتي امتدت حتى بداية العام 2018. وفرضت الحركة سيطرة أمنية على القطاع من خلال مراقبة الحدود، بواسطة قوة عسكرية تم تشكيلها تحت مسمّى “الضبط الميداني”، ومتابعة نشاطات الفصائل الفلسطينية وأجنحتها المسلحة وأهمها سرايا القدس، وكتائب أبو علي مصطفى، وكتائب شهداء الأقصى، ولجان المقاومة الشعبية، وألوية الناصر صلاح الدين.

بالإضافة إلى ذلك، بدأت تظهر أزمة مالية خانقة بسبب الحصار، ولم تعد “حماس” ولا المؤسسات الفلسطينية ولا الفصائل قادرة على دفع مرتبات الموظفين والأعضاء، وتضاءلت القوة الشرائية وتدهورت الحالة الإنسانية ونتج إحباط شعبي تجاه الفصائل والمؤسسات العامة. وبالتالي ظهرت فصائل وجماعات مسلحة تُعارض حكم حركة “حماس” وأهمها “جيش الأمة”، و”جيش الإسلام”، و”مجلس شورى المجاهدين” وهي جماعة سلفية جهادية، و”كتائب المجاهدين” وهي حركة سلفية، و”حركة الصابرين” وهي حركة شيعية، و”لواء التوحيد” وهي جماعة تنتهج فكر تنظيم “داعش”، و”أنصار الله الإسلامية” وهي حركة سلفية متشددة. وكانت حركة “حماس” قد تمكّنت من تحييد الجماعات المتشددة لفترة طويلة من خلال قيامها بحملة اعتقالات كبيرة في صفوف هذه المجموعات ومصادرة إمكاناتها القتالية في العام 2016، إلّا أن نشاطاتها العسكرية عادت وزادت خلال الأعوام اللاحقة واستقطبت، ضمن أعضائها، عدداً من أفراد الفصائل الكبرى، خصوصاً وأن بعض التقديرات الأمنية يشير إلى تلقي بعض هذه الجماعات دعماً خارجياً.

وفي محاولة لتغيير قواعد الإشتباك مع إسرائيل، شكّلت حركة “حماس”، بالإشتراك مع معظم الفصائل المؤثرة (بخاصة “الجهاد الإسلامي” و”الجبهة الشعبية” و”حركة الأحرار”) واللجان الشعبية في آذار (مارس) 2018، حراكاً شعبياً بقيادة اللجنة العليا لمسيرات العودة الفلسطينية والتي أحدثت إرباكاً في صفوف الجيش الإسرائيلي على الحدود الشرقية لقطاع غزة حيث شارك عشرات الآلاف من الغزاويين في مسيرات أسبوعية وُصِفت بالسلمية، إلا أنها جوبهت بقوة السلاح الإسرائيلي خشية اقتحام الحدود والوصول إلى المستوطنات والبلدات الإسرائيلية المُحاذية لقطاع غزة. لكن النتيجة كانت اشتداد الحصار والتضييق على القطاع ومحاولة تجفيف منابع الدعم المادي واللوجستي للفصائل الفلسطينية، خصوصاً حركة “حماس”، وقيام الجيش الإسرائيلي بحملة على الأنفاق العسكرية التابعة للفصائل على الحدود الشرقية للقطاع. وكانت حركة “حماس” أنشأت الأنفاق خلال حرب العام 2014، ما اضطر الجيش الإسرائيلي للبدء ببناء جدار من الإسمنت المسلح بالحديد يصل طوله إلى حوالي 65 كلم، وبعمق متفاوت يصل غالباً إلى أكثر من عشرين متراً في باطن الأرض وُضِعَت فيه مجسات لتشخيص الأصوات عند حفر الأنفاق، بالإضافة إلى جدار علوي بارتفاع ستة أمتار، وأبراج مراقبة وكاميرات مرتبطة بمنشأة تحكّم مركزية.

ويبدو أن كلا الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، لا يرغب في الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة لأسباب مختلفة. ومن الإعتبارات الأساسية بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي إمتلاك الفصائل الفلسطينية، خصوصاً حركة “حماس” صواريخ ذات قوة تدميرية كبيرة قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي والتسبب بأضرار مادية وبشرية كبيرة متوقعة. كذلك لا تريد القوات الإسرائيلية الدخول في حرب استنزاف قد تصل إلى إعادة احتلال غزة والسيطرة عليها وإدارتها.

أما بالنسبة إلى الفصائل الفلسطينية المسلحة، بخاصة حركة “حماس”، فهي لا ترغب في مواجهة عسكرية مفتوحة مع الجيش الإسرائيلي، لا سيما نظراً لهشاشة الوضع الإنساني في القطاع وعدم مقدرة “حماس” على تلبية الحاجات الأساسية والخدماتية لسكان القطاع، خصوصاً وأن آثار الدمار التي خلّفتها الحروب الماضية ما زالت ماثلة. ومن شأن أي مواجهة مُقبلة أن تكون أكثر جسامة وقد تؤدي إلى تدمير ما تبقى من البنية التحتية في قطاع غزة، وخصوصاً على ضوء التوقعات بأن الحصار لن يُرفَع عن القطاع إلّا بموافقة إسرائيلية. وتأخذ الفصائل الفلسطينية في الإعتبار إمكاناتها العسكرية المتواضعة مقابل القوة التدميرية الهائلة التي يتمتع بها الجيش الإسرائيلي والتي قد تؤدي إلى دمار هائل وشلل كبير في غزة. وهناك قناعة أيضاً لدى حركة “حماس” بأنها فقدت الحاضنة العربية والإسلامية الرسمية وبأن بعض الدول العربية يريد إنهاء سلطة الحركة في قطاع غزة.

مع ذلك، تبقى الفرصة مُهيَّأة لاندلاع مواجهة عسكرية مفتوحة ومُوسَّعة بعد اكتمال بناء الجدار الأمني العازل مع قطاع غزة والذي سيُخفف الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي المتواجد على الحدود مع غزة ويحد من إمكانية تسلل عناصر الفصائل المسلحة، بخاصة وأن حركة حماس تمكّنت في حرب العام 2014 من قتل عدد من الجنود الإسرائيليين وأسر آخرين من خلال الإعتماد على الأنفاق المؤدّية إلى نقاط عسكرية إسرائيلية في الجانب الآخر من الحدود. وستزيد فرصة اندلاع الحرب في حال استمرت الفصائل الفلسطينية في تعظيم قوتها العسكرية وأصبحت تمتلك أسلحة تُهدّد الأمن الإسرائيلي، خصوصاً وأن هناك جماعات مُتشدّدة تناهض حكم حركة “حماس”، كما أن هناك شخصيات عسكرية في “حماس” و”الجهاد الإسلامي” غير راضية عن الوضع الإنساني والسياسي القائم.

  • الدكتور هاني البسوس  كاتب ومُحلّل سياسي فلسطيني وأستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس بسلطنة عُمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى