جبران باسيل يُريد الرئاسة اللبنانية بأيّ ثمن

بقلم كابي طبراني

في اجتماع طارئ لمناقشة التطورات الأخيرة في سوريا عُقِدَ يوم السبت الفائت (12/10/2019)، دعا وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية. وقد أثارت هذه الدعوة، التي أطلقها في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، جدلاً واسعاً في لبنان، لكنها ساهمت أيضاً في التأكيد على مدى تطوّر العلاقات بين “حزب التيار الوطني الحر” – الذي يرأسه باسيل الآن – ودمشق.
على الأرجح لم يكن من قبيل المصادفة أن يختار باسيل عطلة نهاية الأسبوع تلك لإطلاق عرضه للسوريين. في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1990، طردت القوات السورية العماد ميشال عون، والد زوجة باسيل والرئيس اللبناني الحالي، من قصر بعبدا الرئاسي، في الوقت الذي كان يخوض حرباً لإجبار الجيش السوري على الخروج من لبنان. من خلال توقيت تصريحاته لتتوافق مع تاريخ ذلك اليوم تقريباً، كان وزير الخارجية يودّ الإشارة إلى أنه يواصل السعي الحثيث لإقامة علاقات ودّية مع نظام بشار الأسد.
الواقع أن جزءاً كبيراً من حسابات باسيل يرتبط بطموحاته الرئاسية. فهو يعلم أن أحد منافسيه الرئيسيين، سليمان فرنجية، لا يزال مُفَضَّلاً لدى السوريين، نظراً إلى علاقاته الشخصية الوثيقة مع عائلة الأسد. لذا لتأمين الدعم السوري لانتخابه في نهاية المطاف، يحتاج باسيل إلى إعطاء السوريين شيئاً صلباً مثل الدعم الديبلوماسي اللبناني.
أكثر من ذلك، فقد خطا وزير الخارجية خطوة إلى الأمام يوم الأحد (13/10/2019)، عندما أعلن أنه سيزور دمشق لإقناع الرئيس السوري بشار الأسد بإعادة النازحين السوريين الموجودين الآن في لبنان. وقد تسبّب هذا الإعلان بنشر الذعر والقلق بين القوى السياسية في بيروت التي تُناوئ الأسد. ومع ذلك، فقد حَسَبَ باسيل – بشكل صحيح – أن قاعدته المسيحية المارونية ستُرحّب بأي خطوة تساعد على إعادة أكثر من مليون نازح سوري إلى بلدهم.
ومع أن السياسة البسيطة والضيِّقة الأفق قد تُفسّر وتوضّح مناورات باسيل، إلّا أنها ليست كافية بمفردها. لقد استغل وزير الخارجية أيضاً مزاج الخوف المُستَشري بين العديد من المسيحيين حول ما كان سيحدث لو تمّت الإطاحة بنظام الأسد عسكرياً. على الرغم من أن قلّة منهم تُحبُّ النظام السوري، إلّا أن استجابة الكثيرين من المسيحيين كانت بردودِ فعلٍ كأقلية، تتمثّل بخوفهم من أنهم كانوا سيواجهون نظاماً إسلامياً سنّياً مُتطرفاً يقوده تنظيم “داعش” أو “جبهة النصرة” لو تمّ خلع الرئيس السوري.
ويكشف لنا الماضي أن باسيل كان مُنفتحاً على فكرة تحالف الأقليات. كان هناك في هذا الإنفتاح بالتأكيد الكثير من الإنتهازية، وطريقة لتبرير علاقات العونيين ب”حزب الله” الشيعي والنظام العلوي في سوريا. ومع ذلك، فإن وزير الخارجية ليس مُبتكِراً في هذا المجال ولا يُمكن لأحد أن يُقلّل من عمق القلق بين أتباعه من أن المسيحيين يختفون بشكل مقلق في الشرق الأوسط ذي الغالبية السنّية.
مثل هذا الموقف لا يُنصَح به لأيّ شخص مُهتمّ بالحفاظ على وجودٍ مسيحي طويل الأجل في المنطقة، والذي يتطلّب أن يكون على علاقة جيدة مع الغالبية. لكن باسيل تصرّف في كثير من الأحيان بالإعتماد على دوافعه الشعبوية ليُراكِم السلطة، من دون أي اعتبار لما قد يكون لجاذبية الأقلية معنى بالنسبة إلى مجتمعه في المستقبل.
ذلك لأن وزير الخارجية يبدو بأنه غير مبالٍ بالمعاناة الهائلة التي سبّبها نظام الأسد. إن كلمات التعاطف والتأييد التي يُبديها يعتبرها كثيرون، ولا سيما الكثير من السنّة اللبنانيين، تمكيناً ودعماً لنظامٍ تورّط في مذابح. ولكي يجد الموارنة أنفسهم مُرتبطين بمثل هذا الإرث ليس شيئاً يُمكن أن يفيد التعايش.
المفارقة هي أن نظام حافظ الأسد، والد بشار، كان هو المسؤول الأكبر عن تقويض السلطة المارونية في لبنان خلال الحرب الأهلية من 1975 إلى 1990. والفكرة القائلة بأنه كان هناك أيّ نوع من تضامن الأقليات بين القيادة السورية والمسيحيين أمرٌ مُثيرٌ للسخرية، وهذا يُفسّره لماذا كان الموارنة دائماً يُمثّلون أقوى وألدّ أعداء السوريين. الرئيس عون نفسه في أحد الأوقات كان يُجسّد هذا العداء.
ومع ذلك، فقد تخطّى هو وباسيل ذلك في العام 2005، عندما اعتقدا أن الطبقة السياسية اللبنانية بأكثريتها تسعى إلى عزل عون عند عودته من المنفى في فرنسا. ولم تكن المرة الأولى التي تؤدّي الإنقسامات اللبنانية الداخلية إلى انعكاس تام وتغيير في التحالفات، فقد تحالف عون سياسياً مع “حزب الله” وحلفاء سوريا، معتقداً أنهم سيساعدونه على تأمين وضمان وصوله إلى الرئاسة.
لم يكن مُخطئاً في النهاية. ومع ذلك، فإن تأييد باسيل لنظام الأسد يتناقض فعلياً مع ما كان دائماً مبدأً رئيساً عبّرت عنه بشكل علني الحركة العونية، أي الحاجة إلى الحفاظ على سيادة لبنان. بمناشدة الأسد ودعوته مرة أخرى إلى الحظيرة، فإن وزير الخارجية يُبقي على هذه العادة القديمة المُتمثّلة بالسماح لصانعي القرار الرئيسيين على الصعيدين الإقليمي والدولي بإملاء فعلي وتقرير مَن سيُصبح رئيس دولة لبنان.
قد يكون باسيل مُزعجاً وصاخباً بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين، لكنه يبدو أنه فَهِم القواعد الأساسية للسياسة الشعبوية القائمة على نزعة “مَن لا يُؤيّدنا ويوافقنا الرأي فهو ليس من الشعب”، وعندما يواجه معارضة، يُضاعف صخبه ويُهاجم. هذا ليس من كتاب قواعد الوصول إلى الرئاسة بالتراضي – لكن وزير الخارجية لا يهتم. سيفعل ما يجب عمله ليصبح رئيساً، حتى لو كان لبنان سيدفع ثمناً باهظاً نتيجة لذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى