الإِسكافـي حافـي وباب النجار مْخَلَّع

بقلم هنري زغيب*

 

هذا المشهد في لبنان: وزراء ذَوو حقائبَ في وزارات عدة لا يَـحقُّ لهم الحصول من الجهات المانحة على أَموال مخصَّصَة لـمُعالجة قضايا وزاراتهم فتذهب أَموالُ الجهات المانحة إِلى وزارات غير معنيَّة.

وهذا المشهد: قرارُ الإتحاد الأُوروﭘـي تـمويلَ مشاريعَ بيئيّة، كـمعالجة ملف النُفايات الصلبة وتشييدِ معاملِ فرزٍ للنُفايات في المناطق، تَكون إِدارتها لا لوزارة البيئة بل لوزارة الدولة لشؤُون التنمية الإِدارية ولو انَّها غيرُ معنيّة بالشؤُون البيئيَّة أَو بـملفّ معالـجة أَزمة النُفايات.

وهذا المشهد: وزيرُ الزراعة يوزِّع صناديق التفاح على “المواطنين الأَحباء” تشجيعًا على استهلاكهم تفاحَ لبنان.

وهذا المشهد: قيامُ أَعضاء من جمعيات ونقابات وهيئات بزيارة رئيس الجمهورية لعرض مطالبهم وشكاواهم لديه لا لدى الوزارات المختصة ذاتِ الشأْن المباشر بقضاياهم.

وهذا المشهد: وزيرُ البيئة ينزل شخصيًّا إِلى الشاطئ اللبناني يلمُّ النُفايات عن الرمل لتشجيع الحفاظ على نظافة الشاطئ بيئيًّا.

وهذا المشهد: وزيرُ السياحة يذهب شخصيًّا إِلى المطار، يقف شخصيًّا عند باب الوصول، فيُرحِّب شخصيًّا بالواصلين مُبتسمًا لـهم هَاشًّا بَاشًّا، تشجيعًا قطاعَ السياحة و”المغتربين الأَحبَّاء” على الـمَجيْءِ إِلى لبنان.

وتتوالى الـمَشاهد، ولا نَعجبنَّ عَجَبًا عُجابًا أَن نرى يومًا وزارة التربية تنفذ مشروعًا رياضيًّا، أَو وزارةَ الداخلية والبلديات تنفِّذ مشروعًا تربويًا لــ”فلذات أَكبادنا” في المستقبل، أَو وزير الأَشغال يلبس قبَّعة فَلِّين ويراقب أَشغالَ توسيع أُوتوستراد كسروان، حتى لـنعاين مشهدًا سورياليًّا غريبًا عجيبًا، يزيده سخريةً أَنَّ كل وزير ينزل إِلى الأَرض لا ينسى أَن يصطحبَ معه فريقًا تلـﭭـزيونيًّا مُدَجَّجًا بالكاميرات كي ينتشر نضالُه وتَظهرَ “جهودُه الـجبَّارة” في خدمة “شعب لبنان العظيم”، فيصبح النواب والوزراء اللبنانيون نُجُوم استعراضٍ أَين منهم نُجُوم برودواي والـ”مولان روج”.

سببُ هذه الـمَشاهد الغريبة الكاريكاتورية: غيابُ الـمرجِعِية الواضحة، والضياعُ الفوضويُّ في تَـحديد: مَن يَشتغل ماذا. لذا نرى “الإِسكافـي حافـي” و”باب النجَّار مْـخَلَّع” لأَن الإِسكافـي والنجَّار مشغولان بأُمورٍ كثيرةٍ غيرِ شُغلِهما الأَساسي.

ليس شُغل الوزير أَن يتولَّـى كرنَـﭭَـاليًّا لَـمَّ أكياس النايلون، ولا استقبالَ “المغتربين الأَعزاء” إِلى المطار، ولا أَن يُنَفِّذَ أَعمال وزارة أُخرى، بل أَن يَلْزَمَ وزارتَه ويضبطَ فيها العمل الإِداري، عندئذٍ يَنتظمُ العمل تلقائيًّا وينتفي الضياعُ، وتَزول الفوضى، وتصل إِلى المواطنين حلولُ هُـمومهم اليومية من كهرباء وماء وخُبز وأُمُور معيشية تنتشر لأَجلها التظاهراتُ والإِضرابات والاعتصامات بشكل متصاعدٍ يُنْذِر بانفجارٍ صاعقٍ قد يُطيح النظامَ وأَهلَ النظام وأَركانَ الدولة جميعًا إِذا تضخَّم مَوشُور هذه التظاهرات، ولنا في تظاهرات 1952 مثالٌ أَدَّى إِلى استقالة بشارة الخوري تَفَاديًا ما كان أَخطر.

شُغْلُ الوزير المتابعةُ التنفيذية، وشُغْلُ النائب التشريعُ وُصُولًا إِلى التنفيذ، فإِذا ضاعت المرجِعِية الواضحة ضاع كلُّ تشريعٍ وتنفيذ، وضاعت حقوقُ الناس بين وزارةِ إِقرار ومجلسِ إِعمار، وغرقَ البلد أَكثرَ فأَكثر في هذا الــ”بابل” الفاجع.

ويا تَعْسَ بلدٍ يَبلُغ حدَّ أَن يتعاطى فيه السياسيون “تويتريًّا” عوَضَ أَن يَـجلِسوا في مقاعدهم ويشتغلَ كُّل واحدٍ شُغْلَه بدون استعراضاتٍ فولكلورية تلـﭭـزيونية، ولا تراشقاتٍ “تويترية” تُوَتِّــر البلد تَوتيرًا مُتَواترًا يُظهرُ مَنْ بينَهم مَوْتُورٌ أَكثرَ من الآخَر الـمَوْتُور.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى