الحرب الأهلية السورية مُستَمِرّة، وعلى العالم ألّا يُدِير ظهره

بقلم كابي طبراني

من الظُلم الحُكم على أيّ نزاعٍ وفقاً لحصيلة القتلى، لكنها في بعض الحالات تساعد على تسليط الضوء على حجم الدمار الذي ألحقه. إن الأرقام التي نتجت عن حرب البوسنة بين العامين 1992 و1995 مُتنازَعٌ عليها، ولكن تُقدّر جهاتٌ دولية عدة أن حوالي 250,000 شخص على الأقل لقوا حتفهم. كما خلّفت الإبادة الجماعية في رواندا في العام 1994 نحو مليون قتيل على مدار ثلاثة أشهر رهيبة. وتسببت حرب الكونغو الثانية بين العامين 1998 و2003 في وفاة أكثر من خمسة ملايين شخص بسبب المرض والجوع. إن الأرقام لا تجعل بالضرورة صراعاً أسوأ من الآخر لأنها تُخبرنا فقط عن جزء من القصة، ومع ذلك فإنها تُجبرُنا على التأمّل والتفكير.

ويقودنا هذا إلى الحرب الأهلية السورية التي دخلت عامها الثامن. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة توقّفت رسمياً عن العدّ في العام 2016، فإن عدد الأشخاص الذين فقدوا حياتهم يُقدَّر بحوالي نصف مليون شخص. كما أن الأزمة الإنسانية التي ولّدتها هذه الحرب البشعة هي الأسوأ التي شهدها هذا القرن، حيث فرّ أكثر من خمسة ملايين شخص من البلاد وفرضوا قدراً هائلاً من الضغط على الموارد والبنية التحتية في البلدان المجاورة مثل لبنان والأردن وتركيا.

قد تكون الحرب تقترب من نهايتها، حيث بقيت محافظة إدلب فقط – بالقرب من الحدود التركية في شمال غرب سوريا – تواجه القوات الحكومية. ونتيجة لذلك، تلاشت أخبار الحرب إلى حد كبير من العناوين الدولية. لسوء الحظ، يواصل النظام معاملة هؤلاء الذين يعيشون في آخر معقل للمتمردين بوحشية. لقد قتل 1089 مدنياً في الأشهر الأربعة الماضية وحدها، وشرّد مئات الآلاف من النساء والرجال والأطفال داخلياً، ونقل ثلاثة ملايين مدني إلى ما يُسمّى بمنطقة تخفيف التصعيد حيث يجدون أنفسهم مُحاصَرين فيها.

والأسوأ من ذلك أن المدارس والمستشفيات أصبحت أهدافاً عسكرية لأن النظام يريد معاقبة الشباب والجرحى. في العام الماضي، قُصِفَت المراكز الصحية والتعليمية التي قالت عنها الأمم المتحدة إنها محميّة بموجب القانون الدولي. ووفقاً لمارك لوكوك، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن كلاً من الحكومة وقوات المتمردين تتجاهل مناشدات المنظمة الدولية لوقف القصف. وقال لوكوك: “ليس هناك أي ملجأ لشعب إدلب. قُتِل المئات منهم، وأصيب مئات آخرون بجروح، وشُرّد حوالي 440,000 منهم، لكن لا يوجد مكانٌ آخر يذهبون إليه”. وحذّر مِن أنه إذا لم يتوقف “الهجوم الدموي بكامله”، فقد يخلق أسوأ أزمة إنسانية شهدها العالم هذا القرن.

ولكن حتى عندما ألقى وزير الخارجية وليد المعلم كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أواخر الشهر الفائت، مُثيراً بعض الإهتمام بالحرب، ركّز زعماء العالم إلى حدٍّ كبير على قضايا أخرى مثل تغيّر المناخ ومغامرات السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط. ومع تولّي روسيا وتركيا وإيران – وجميعها دول أجنبية متورّطة في الحرب – زمام المبادرة في عملية التفاوض بين النظام والمتمردين، إنخفض إهتمام بقية المجتمع الدولي بسوريا.

بالطبع، هذا لا يعني أنه لم يتم القيام بأي شيء للمساعدة على إعادة السلام إلى سوريا مرة أخرى. في أواخر الشهر الفائت، عاودت الأمم المتحدة إحياء عملية السلام الخاصة بها، والتي اعتُبِرَت ميتة منذ فترة طويلة بعد إضفاء الطابع الرسمي عليها بقرار من مجلس الأمن في العام 2015. واعتُبِر القرار يومها غير جدّي إذ أن الأطراف المعنية تجاهلت دعوته لوقف إطلاق النار وإطلاق تسوية سياسية في سوريا. في الواقع، بعد مرور عام على صدوره، سقطت مدينة حلب على يد النظام في عملية وحشية إستمرت لأشهر عدة. ولكن بعدما صارت اليد العليا للنظام وحلفائه في هذه الحرب، أصبح هناك الآن تصميمٌ أكبر بكثير على وضع حدٍّ لها ولكن وفقاً لشروط مُعيَّنة. وقد تمّ تشكيل لجنة دستورية تضم ممثلين عن النظام وبعض شخصيات المعارضة الموجودة في المنفى والمجتمع المدني. وهناك حديث أيضاً عن إجراء إنتخابات في العام 2021، حيث أن شرعيتها، من دون شك، ستكون موضع تساؤلات بالنظر إلى سيطرة النظام على البلاد.

مع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها، بما في ذلك مَن سيدفع فاتورة إعادة إعمار سوريا – وهي قضية جرى فيها الكثير من المساومات بين الأطراف الخارجية. هناك أيضاً القضية الأساسية المتمثّلة في إعادة اللاجئين إلى ديارهم. بينما عادت قلة من النازحين إلى سوريا، فإن كثيرين يرفضون العودة لأن لديهم دائماً شكوكاً حول سلامتهم وأمنهم طالما ظل نظام الأسد يسيطر على البلاد. ونظراً إلى أن هناك فرصة ضئيلة لتنحية الأسد وإقالته من السلطة، فإن إعلان اللجنة الدستورية لن يفعل الكثير لتهدئة مخاوف أولئك الذين إمّا تمرّدوا على حكومته أو نجوا من قمعها وقسوتها منذ اندلاع الإنتفاضة في العام 2011.

مع ترك هذه الأسئلة وغيرها ليتم الرد عليها وعدم وجود حلول سهلة في الأفق، ومع تشتت إنتباه العالم جرّاء أحداث دولية في أماكن أخرى – بما في ذلك خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وقضية عزل دونالد ترامب – من المرجح أن تستمر حرب سوريا من دون أن يلاحظها أحد خصوصاً مع إصرار تركيا على مهاجمة معاقل الأكراد. في الأسبوع الماضي، تحدّثت إلى وعد الكاتب، الصحافية الشابة التي التقط فيلمها “من أجل سما” أهوال الحصار في حلب، وسألتها: “هل انتصر الأسد؟”، فأجابت: “لم ينتصر أحد. يعتقد الناس أن الحرب قد انتهت لكنها لم تنتهِ بعد”.

لذلك من المهم أن يفهم المجتمع الدولي أن هناك ضرورة أخلاقية لإنهاء هذه الحرب بالحق والعدل، وبطريقة تتجاوز الحسابات الاستراتيجية من جانب الأطراف الخارجية المعنية. يحتاج باقي العالم إلى الصمود في وجه الوحشية التي تحدث في سوريا والعمل الآن على إنقاذ وإعادة تأهيل أكبر عدد ممكن من الأرواح مع عدم التردد في معاقبة مرتكبي جرائم الحرب العديدة التي ارتُكِبت على مدار عقد من الزمن تقريباً. لأنه إذا لم تعمل القوى الأكثر نفوذاً في العالم لإنهاء هذه الحرب الأليمة، فما هي الرسالة التي سيُرسلها هذا الإخفاق إلى بلدان أخرى قد تواجه مثل هذه الصراعات في المستقبل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى