الطريقة الوحيدة للتصدّي لـ”حزب الله” هي عبر إيران – وليس باستهداف لبنان

بقلم كابي طبراني

يمرّ لبنان راهناً بأوقات صعبة وعصيبة سياسياً واقتصادياً. والأكثر إثارة للقلق أن الولايات المتحدة، كما يبدو، قد تخلّت عن إعطاء الأولوية للإستقرار في مقاربتها للوضع في البلاد. إن المزاج السائد في واشنطن يتحوّل بشكل حازم نحو زيادة الضغط، مهما كانت النتائج والتداعيات.

من الناحية الإقتصادية، يتدهور الوضع المالي في لبنان، حيث بالكاد تمكّنت الحكومة والبنك المركزي من الحفاظ على “واجهة” الإستقرار. منذ فترة طويلة، رُبِطَت الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي بمعدل 1507 ليرات لبنانية لكل دولار. ومع ذلك، في الأشهر الأخيرة، ضيّق البنك المركزي على شراء الدولارات، لدرجة أن غالبية البنوك التجارية لم تسمح إلا بمبالغ محدودة منها، مما أجبر أولئك الذين يحتاجون إلى دولارات لشرائها من الصرّافين، الذين يتقاضون حوالى 1600 ليرة لبنانية، أو أكثر في بعض الأحيان، مقابل كل دولار.

على الصعيد الرسمي، لا يزال السعر الثابت البالغ 1507 ليرات لبنانية لكل دولار سارياً رسمياً، والبنك المركزي سيُغيّر، بواسطة المصارف التجارية، بهذا السعر لبعض التجار الذين يحتاجون إلى مبالغ أكبر لدفع ثمن الضروريات المُستورَدة (النفط، ومشتقات البنزين والفيول، الأدوية، والقمح). ومع ذلك، بالنسبة إلى الغالبية العظمى من المواطنين اللبنانيين الذين يَتعيّن عليهم العمل من خلال الصرّافين، فقد انخفضت قيمة الليرة فعلياً، وتفاقم التضخم بسبب حقيقة أن العديد من البائعين يدفعون للمستوردين بالدولار ويرفعون نتيجة لذلك أسعار سلعهم. إذاً، لجميع النوايا والأغراض، إن الليرة تفقد قيمتها، حتى عندما تدّعي الحكومة إن الواقع ليس كذلك.

بالإضافة، بدأت إدارة دونالد ترامب مُعاقبة المصارف اللبنانية التي تَشتبه في أنها تُسَهِّل وتُمكِّن أنشطة “حزب الله” المالية. وكانت أحدث حالة هي حالة “جمال ترست بنك”، الذي صدرت العقوبات بحقه في آب (أغسطس) الفائت، ولم يُترك لأصحابه سوى خيار واحد يكمن بتصفية البنك في غضون أسابيع. وهناك تقارير تُفيد بوجود بنوك لبنانية أخرى على رادار وزارة الخزانة الأميركية، على الرغم من أنه يبدو الآن أن الإدارة لا تُريد دفع القطاع المصرفي إلى حافة الهاوية. بدلاً، فإن الهدف هو ترهيب بنوك أخرى لقطع جميع العلاقات مع “حزب الله”.

هذا في الواقع يعكس مزاجاً جديداً في الولايات المتحدة. بينما في السنوات الأخيرة، كان الحفاظ على استقرار لبنان له الأهمية الكبرى، فقد تغيّر الموقف في واشنطن. في رحلة قام بها أخيراً إلى بيروت، حذّر مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، من أن إدارة ترامب ستستهدف “بشكل جازم وصارم” حلفاء “حزب الله” في البلاد. كانت هناك أيضاً تقارير غير مؤكدة تُفيد بأن الأميركيين يُصعّبون على المواطنين اللبنانيين الحصول على تأشيرات لدخول الولايات المتحدة.

كل هذه التحرّكات لم تأتِ من الغيب. لقد أرسلت واشنطن مراراً إشارات إلى لبنان مفادها أنه يجب على مؤسسات الدولة والجيش والسياسيين قطع العلاقات مع “حزب الله” أو المخاطرة بعواقب ذلك. تم تجاهل هذه التهديدات بشكل كبير، إلى حدّ أن الرئيس اللبناني ميشال عون وصهره، وزير الخارجية جبران باسيل، وكذلك مجلس الوزراء، قد تبنوا مواقف عامة داعمة ل”حزب الله”. إن الصبر الأميركي مع لبنان بدأ ينفد، لكن الولايات المتحدة يجب أن تكون حذرة للغاية في ما تفعله بعد ذلك.

في حين أن لبنان مُعرَّضٌ بشدّة للضغوط الخارجية، إلّا أنه ضعيفٌ بدرجة كافية لكي يتحوّل ويصبح بسهولة دولة فاشلة إذا كانت الحرارة السياسية والإقتصادية مرتفعة للغاية. يوجد في أميركا أولئك الذين يعتقدون بأن لبنان هو أفضل في أن يكون في أزمة، وحتى في صراع، لأن ذلك سيُحوّل إنتباه “حزب الله” إلى الداخل، وبالتالي حماية إسرائيل. ومع ذلك، فإن مثل هذا النهج غير المسؤول يتجاهل المعاناة التي ستترتب على هذا الأمر، واحتمال تحوّل الوضع في لبنان إلى حالة من الفوضى التي من المرجح أن تُعزّز “حزب الله”، الذي لديه وسائل أفضل من غيره لملء فراغ السلطة.

الحقيقة هي أنه لا توجد وسيلة سهلة لإضعاف “حزب الله”. إن الداعم الرئيس للحزب الشيعي هو في طهران، وفي النهاية، فإن الطريقة الوحيدة لمواجهة “حزب الله” هي عبر الجمهورية الإسلامية. إن الإعتقاد بأنه يُمكن تغيير سلوك الحزب من خلال إلحاق الألم بالمجتمع اللبناني هو وهم. وكل هذا سيؤدي إلى إضعاف المجتمع وإفقاره بشكل حاسم، حيث تُعارض شرائح كبيرة منه “حزب الله”. وهذا يعني أيضاً أن الحزب لن تكون لديه معارضة حقيقية قادرة على مقاومة أجندته.

ولكن هذا لا يعني إعفاء الطبقة السياسية في لبنان، التي كانت صماء بحماقة للرسائل الصارمة الآتية من واشنطن. ولم يهتم السياسيون اللبنانيون بأي تغيير حاسم في موقف الكونغرس، الذي كان يُطالب أعضاؤه بالمساءلة في مقابل الحصول على مساعدة الولايات المتحدة، ولا سيما للجيش. وبدلاً، كرّروا بشكل مُتعجرف أن إدارة ترامب حريصة على الحفاظ على استقرار لبنان عندما بدا أن الأمر لم يعد كذلك.

أدلى أحد المُحلّلين الأذكياء في بيروت بملاحظة مهمة أخيراً. لقد أشار إلى أن أكثر المسؤولين الأميركيين الذين حافظوا على علاقة جيدة مع لبنان، ولا سيما في البنتاغون ووزارة الخارجية، تركوا مناصبهم أو في طريقهم للخروج من الإدارة. إن بُدَلاءَهُم أقل التزاماً بلبنان من سابقيهم، وأقل دراية بالمخاطر التي يُمكن أن يُشكّلها بلد الأرز. هذا النقص في المعرفة يعني أن المسؤولين الأميركيين الجدد هم أكثر استعداداً ليأخذوا معلوماتهم من مؤسسات الفكر والرأي الأميركية التي تُحرّكها أجندات مختلفة، والكثير منها يتّخذ موقفاً أكثر تشدّداً، إن لم يكن عدائياً، تجاه لبنان.

يُمكن للأقوياء أن يتحمّلوا أن يكونوا جاهلين لكن الضعفاء لا يُمكنهم ذلك. يجب أن يكون لبنان حذراً في الأشهر المقبلة. لقد تغيّر الوضع في بلاد العم سام ويجب على المسؤولين اللبنانيين تجنّب المواجهة المؤلمة مع الولايات المتحدة. لن يكون من الحكمة أن تقوّض واشنطن إستقرار لبنان – لكن من التهوّر أن يفترض اللبنانيون أنها لن تفعل ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى