الطريق الطويل أمام اللجنة الدستورية السورية

بقلم أسامة الشريف*

إستغرق الأمر ما يقرب من عامين من المفاوضات الشاقّة للوصول إلى اتفاقٍ على اللجنة الدستورية السورية، والتي أعلن عن تشكيلها رسمياً في الأسبوع الفائت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس. تُعتبَر هذه الخطوة، التي أشادت بها الحكومة السورية والمعارضة على السواء، الخطوة الأولى الجادّة لإشراك الأطراف المُتحاربة في عملية سياسية تهدف إلى صياغة وسنّ دستور جديد من شأنه أن يُؤدّي إلى انتخابات حرة ومفتوحة في البلد الذي مزّقته الحرب. ستجتمع اللجنة المُكوَّنة من 150 عضواً، التي تضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني، في 30 تشرين الأول (أكتوبر) في جنيف، وهي المدينة التي شهدت محاولات عديدة لإطلاق حوار سوري – سوري في السنوات الماضية من دون نتائج.

لكن من السابق لأوانه وضع افتراضات حول آفاق العملية الجديدة. هناك عقبات رئيسة في طريقها والأولى تتعلّق بولايتها. لقد قال وزير خارجية النظام وليد المعلم إنه يتعيّن على اللجنة النظر في تعديل دستور العام 2012، بينما تُريد المعارضة صياغة دستور جديد. سيكون التركيز على السلطات واسعة النطاق التي يتمتع بها رئيس الجمهورية بموجب الدستور الحالي. تُريد المعارضة أن تكون هذه السلطات في أيدي برلمانٍ مُنتخَب بحرية، وهي قضية أساسية سيُعارضها النظام بالتأكيد.

كما أشار المعلم قبل أيام قليلة إلى أن اللجنة ليس لديها جدوَلٌ زمني مُحدَّد لتقديم النتائج التي تتوصل إليها، وهي قضية يُمكن أن تُخرِج العملية برمّتها عن مسارها منذ البداية. وقال أيضاً إن عمل اللجنة، الذي تم إنشاؤه في إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254، لن يكون له أي تأثير في العمليات العسكرية الحالية لتخليص البلاد من “الإرهابيين” و”القوات الأجنبية”. وكانت المعارضة من جهتها دعت إلى هدنة في محافظة إدلب الشمالية الغربية التي يسيطر عليها المتمردون، حيث ينحشر مئات الآلاف من المدنيين بين جيش النظام والمُقاتلين الذين ينتمون بمعظمهم إلى “هيئة تحرير الشام” ، التي تقودها “جبهة النصرة”، المُتَّهَمة بأن لها صلات بتنظيم “القاعدة”.

في حين أن الحوار الشامل السوري يُعتَبَر تطوّراً مهماً في الحرب الأهلية التي استمرت ثماني سنوات، فمن المرجح أن يلعب النفوذ الأجنبي دوراً رئيساً في المحادثات. روسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة جميعها لها وجود في سوريا، ومصالحها وأهدافها على خلاف وتعارض مع بعضها البعض. سوف يُركّز جوهر المحادثات في جنيف في نهاية المطاف على نقطة واحدة حرجة: مصير الرئيس بشار الأسد. إن النظام، الذي تمكّن من عكس مصيره بعد تدخّل روسيا العسكري قبل أربع سنوات، سيبذل قصارى جهده لرفض محاولات صياغة المواد التي من شأنها تقويض صلاحيات رئيس الجمهورية. من الصعب التخيّل بأن المُحاوِرين سيتوصّلون إلى حلّ وسط من دون ضغطٍ من موسكو وطهران وأنقرة وواشنطن.

إن عمل اللجنة في نهاية المطاف سوف ينحرف عن التباطؤ والتفاهمات والإتفاقات السابقة التي تم التوصل إليها في جنيف وأستانا وسوتشي، على الرغم من أن هذه الإتفاقات قد تم الإشارة إليها كمراجع مُحتَمَلة في الوثيقة الرسمية للأمم المتحدة. ستدخل اللجنة قريباً أرضاً مجهولة، وستجد الأطراف نفسها تُناقش قضايا خِلافية مثل إعادة اللاجئين إلى وطنهم، وجرائم الحرب المزعومة، واللامركزية، والإستقلال الذاتي لا سيما بالنسبة إلى الأكراد، وكذلك الوجود الأجنبي في الأراضي السورية، من بين أمور أخرى.

ستُوفّر هذه العملية فرصة لجميع الأطراف للإدعاء بأن الحلّ السياسي هو قيد المناقشة. بالنسبة إلى النظام، ستُمثّل رسالة مهمة إلى العالم بأن إعادة تأهيله بدأت بعد سنوات من العزلة. بالنسبة إلى المعارضة، التي عانت من الإنقسامات والإفتقار إلى القيادة، فإنها ستُمثّل شكلاً من أشكال الإعتراف من قبل النظام. لكن أولئك الذي يعتقدون ويأملون بأن العملية ستُقدّم حلاً سياسياً من المُرجّح أن تخيب آمالهم.

ستستمر روسيا، التي لديها إستثمارات كبيرة في سوريا، بالوقوف إلى جانب النظام، وينطبق الأمر نفسه على إيران، التي تخوض صراعاً قوياً على السلطة والهيمنة في المنطقة، خصوصاً مع الولايات المتحدة، من خلال وكلائها. بالنسبة إلى تركيا، فإن أهدافها تتعارض مع أهداف حلفائها، وكما هو الواقع اليوم، فهي الدولة الوحيدة التي تواصل دعم المعارضة سياسياً وعسكرياً.

أما الولايات المتحدة، التي تدعم الأكراد السوريين ولديها جنود على الأرض، فالأهداف غير واضحة. لا أحد يعلم حقاً ما تدور حوله نهاية اللعبة في واشنطن، بخلاف مراقبة اللاعبين الأجانب الآخرين في البلاد وأن يكون لها صوت في العملية السياسية الجديدة.

قد يكون من المُضلِّل وصف عملية جنيف بأنها إطلاق حوار سوري – سوري. إن مصير سوريا يكمن، للأسف ، ليس في أيدي السوريين ولكن في مكان ما وراء الأبواب المُغلَقة في موسكو وطهران وأنقرة وواشنطن. لقد دفع السوريون ثمناً باهظاً منذ العام 2011، وعلى الرغم من أن هذه العملية السياسية الأخيرة لا يُمكن إعتبارها سوى خطوة إيجابية إلى الأمام، يجب أن نكون حريصين على ألّا نُعلِّق آمالاً كبيرة على نتائجها.

  • أسامة الشريف صحافي ومُعلّق سياسي في عمّان، الأردن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى