ضُعف الدولة في العراق يُشجّع الميليشيات للسيطرة على معابر وحدود الدولة

فيما ضعفت سلطة الحكومة المركزية في العراق وعانت العديد من الإنقسامات والمشكلات، فقد تآكلت معها أيضاً سيطرتها على حدود البلاد التي تُسيطر عليها ميليشيات مختلفة.

رئيس الحكومة عادل عبد المهدي: سلطة حكومته ضعيفة على المعابر والأراضي الحدودية.

 

بقلم حارث حسن*

في آب (أغسطس) الفائت، قرّرت الحكومة العراقية إغلاق معبر “مندلي” الحدودي بين العراق وإيران في محافظة ديالى. وفي تبريرٍ لاتخاذها هذه الخطوة، وصفت بغداد “مندلي” بأنه معبرٌ غير رسمي تم استخدامه للتجارة غير المشروعة وللحركة غير المُصرَّح بها للأشخاص والبضائع.

وفقاً لوسائل الإعلام العراقية، إستخدمت منظمات إجرامية عدة ذلك المعبر لتهريب المُخدّرات إلى داخل العراق. والمعروف أن المنطقة تخضع لسيطرة الميليشيات الشيعية، التي نقلت من خلال المعبر الأفراد والأسلحة بحرية نسبية. وقد إكتسبت ديالى أهمية استراتيجية للمجموعات شبه العسكرية المدعومة من فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، نظراً إلى موقعها بين الحدود الإيرانية وبغداد، وهي منطقة مُجزَّأة بخطوط صدع عرقية وطائفية.

منذ سقوط نظام البعث في العام 2003، ضعفت سيطرة الدولة العراقية على الأراضي والمعابر الحدودية. وفيما كانت الدولة الهشّة توَجّه مواردها وقوتها العاملة نحو تأمين المناطق الوسطى في العراق وغيرها من المواقع الحيوية من الناحية الإستراتيجية، أصبح العديد من المناطق الحدودية والأطراف الجغرافية أماكن للفوضى والتنافس من قبل الجماعات المحلية والقوى الأجنبية والمنظمات الإجرامية والمُتمرّدين.

على سبيل المثال، في إحدى الفترات كانت مناطق محافظتي الأنبار الغربية ونينوى مَعقلَين لتنظيم “القاعدة في بلاد الرافدين” ولاحقاً لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وبالمثل، فإن الحزبين الكرديين الرئيسيين، الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، لهما سيطرة فعلية على المعابر الحدودية لإقليم كردستان- العراق مع تركيا وإيران. وحتى موانئ العراق في الجنوب قد تم اختراقها بعمق من قبل الميليشيات والشبكات غير الرسمية، حيث صار بعض مناطق رسو السفن تحت سيطرة أحزاب سياسية وميليشيات وجهات فاعلة غير حكومية.

إن عجز الدولة وعدم قدرتها على فرض سيطرتها على الحدود الغربية للعراق قد ساعد تنظيم “الدولة الإسلامية” على السيطرة على أراضٍ في كلٍّ من العراق وسوريا. إنتقلت المجموعة الإسلامية المتطرفة من هذه الأطراف إلى مُدنٍ رئيسة مثل الموصل والرقة. وشكّل التنظيم المُتشدّد ما أسماه ولاية الفرات أو محافظة الفرات، التي جمعت بين بلدة القائم العراقية وبلدة البوكمال السورية في وحدة إدارية واحدة. إن القرب الجغرافي والثقافي للبلدين أغرى “الدولة الإسلامية” لجعل هذه المقاطعة المُنشَأة حديثاً مكاناً لإزالة الحدود وإلغائها وبهذه الطريقة خلقت دولتها فوق الوطنية. في الواقع، لم تعد الحدود موجودة في هذا الموقع لسنوات عدة سافر خلالها الناس بين القائم والبوكمال ودير الزور بحرية نسبية.

ومع ذلك، حتى بعد انتهاء “خلافة الدولة الإسلامية”، ظلت الأراضي الحدودية للعراق موضع نزاع أو خضعت لأشكال جديدة من السيطرة المُختَلطة. هناك عناصر من الجيش العراقي وحرس الحدود موجودون في هذه المناطق الحدودية، لكنهم ليسوا وحدهم. في مواقع عدة بين الوليد (كما هو معروف عراقياً)، أو تنف (كما هو معروف سورياً)، المعبر الحدودي بين العراق وسوريا، وسنجار في الشمال، نشرت الميليشيات الشيعية قواتها أيضاً. إن مجموعات مثل “كتائب الإمام علي”، و”كتائب حزب الله”، و”لواء الطف”، و”سرايا الخراساني” تعبر الحدود بانتظام لتأمين الطريق الذي يربط الجماعات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا.

في الآونة الأخيرة، صرح قيس الخزعلي، قائد ميليشيا “عصائب أهل الحق”، بأن نشر قوات “الحشد الشعبي” في غرب الأنبار كان ضرورياً لمواجهة محاولة أميركية وإسرائيلية مزعومة للتسلل إلى المنطقة. لقد تحوّلت المنطقة الحدودية الغربية للعراق إلى ساحة معركة جيوسياسية، كما يتضح من الهجمات الأخيرة على أعضاء الميليشيات الشيعية في القائم والبوكمال التي يُعتقَد أن الطائرات الإسرائيلية نفّذتها.

لدى الولايات المتحدة قاعدة عسكرية كبيرة في المنطقة، وهدفها الرئيس، وفقاً للرئيس دونالد ترامب، هو “مراقبة الإيرانيين”. ومن مظاهر التنافس الأميركي -الإيراني في غرب الأنبار مشروعٌ لتجديد وحماية الطرق السريعة التي تربط بغداد بالمثلث العراقي – الأردني – السوري. وفقاً لبعض المسؤولين العراقيين، أقنعت الولايات المتحدة حكومة حيدر العبادي السابقة بالإتفاق مع شركات أميركية لإدارة وحماية الطرق السريعة. ومع ذلك، فقد تم حظر المشروع من قبل الإيرانيين وحلفائهم العراقيين، الذين كانوا يخشون أن تؤدي هذه الترتيبات إلى تعظيم النفوذ الأميركي على غرب الأنبار.

في سنجار، كانت المنافسة أكثر تعقيداً. لا تزال المنطقة الجبلية التي تُقيم فيها غالبية السكان الأيزيديين في العراق موضع خلاف بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الفيديرالية العراقية. في الآونة الأخيرة، شارك طرفٌ جديد، حزب العمال الكردستاني، في هذه المنافسة من خلال تشكيل ميليشيا محلية تُعرَف باسم “وحدات مقاومة سنجار”. في العام 2014، لعب حزب العمال الكردستاني دوراً رئيساً في مساعدة غالبية اليزيديين على الهروب من “الدولة الإسلامية” من خلال توفير طريق آمن عبر سوريا إلى كردستان. بالنسبة إلى حزب العمال الكردستاني، أصبح النفوذ في سنجار حيوياً للحفاظ على عملياته عبر الوطنية وبناء جاذبيته في كل من العراق وسوريا. وتواجه المجموعة ضغوطاً متزايدة من الجيش التركي، الذي يهاجم أحياناً معاقل حزب العمال الكردستاني في العراق، فضلاً عن التنافس المتصاعد مع الحزب الكردي الرئيس في العراق، الحزب الديموقراطي الكردستاني.

أدى وجود جهات فاعلة مُسلّحة غير حكومية في المناطق الحدودية، إلى جانب ترتيبات حكم مختلط جديدة، إلى فتح أكثر من عشرة معابر حدودية غير رسمية، التي لا تعترف بها الحكومة وليست لديها ضوابط الجمارك الرسمية. من بين هذه المعابر “سيمالكا”، الذي يربط إقليم كردستان بمناطق في سوريا تحت سيطرة حزب الإتحاد الديموقراطي الذي يُهيمن عليه الأكراد، وكذلك الفاو وأم جريس في محافظة نينوى الغربية.

حتى أن بعض المعابر الحدودية الرسمية يسيطر ويهيمن عليه اليوم بعض الميليشيات أو الأحزاب السياسية. فمثلاً يخضع معبر إبراهيم الخليل على الحدود مع تركيا لسيطرة الحزب الديموقراطي الكردستاني، كما يُسيطر هذا الحزب أيضاً على معبر الحاج عمران بين محافظة أربيل وإيران. ومنظمة بدر و”كتائب حزب الله” لهما وجود قوي في معبر الشلامجة بين البصرة وإيران.

إن حدود العراق ليست مجرد خطوط تُحدّد السيادة الوطنية للبلد. لقد أصبحت أماكن تسعى فيها الجهات الفاعلة المحلية والأجنبية إلى إنشاء مراكز قوى بديلة، وإنشاء حدود مختلفة لا تتوافق بالضرورة مع حدود العراق المُعترَف بها دولياً. هذه نتيجة حتمية لفراغ السلطة الناجم عن ضعف سلطة الحكومة المركزية، الأمر الذي حفّز العديد من الجهات الفاعلة على تحدي الترتيبات الرسمية للحدود وإدارة أراضيها.

  • حارث حسن هو زميل كبير غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط حيث يركز بحثه على العراق والطائفية وسياسة الهوية والجهات الفاعلة الدينية والعلاقات بين المجتمع والدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى