البحث عن الفرح ولو  في جائزة “إِيغنوبل”

بقلم هنري زغيب*

 

سنة 1901 إنطلقَت “جائزة نوبل”، وَفْقَ وصية الـمخترع السويديّ أَلْفْرِدْ نوبِل (1833-1896)، مُكرِّمةً مُبدعين في خمسة حقول: الكيمياء، الفيزياء، الطب، الأَدب، السلام. وتُعلنُها لجنةُ الجائزة سنويًّا في 10 كانون الأَول (ديسمبر) (ذكرى وفاة نُوبِل) وتوزِّعها في صالة ستوكهولم للموسيقى الكلاسيكية.

بعدها بتسعين سنة (1991) أَنشأَ الصحافي الساخر مارك أَبْــرَهامْز جائزة “إِيغْـنُوبِل”، مُشتقًّا اسـمَها من كلمة “نُوبِل” مُضيفًا إِليها السابقة “إِيغ” لتصبح “إِيغْنُوبِل” (Ignobel) وهي تعني “كلّ ما هو وَضيع بلا أَيِّ قيمة”. يتمُّ منحُها سنويًّا في صالة مسرح سانْدِرْزْ (جامعة هارﭬــرد). وهي ذاتُ عشْر جوائز، خمسٌ منها كما لـجائزة نوبل الأَصلية، والخمسُ الأُخرى للصحة العامة والبيولوجيا والهندسة والإختراع الطريف والبحث العام في موضوع غير مأْلوف.

تتميز حفلة التوزيع بإِطلاق طائرات ورَقية داخلَ الصالة، وبِـمُقدِّمين فيها ظُرَفاء ذوي نكات ساخرة تثير الضحك في احتفال كاريكاتوري يستقطب سنويًّا ملايين المشاهدين يتابعون مباشرةً نقل الإحتفال حيًّا على شبكة الإِنترنت نهار “عيد الشُكر” (يوم وطني أَميركي رابعَ خميسٍ من تشرين الثاني (نوفمبر)).

أَهميةُ هذه الـجائزة عدا طرافتها: إِطلاقُ مغمورين حقَّقوا جديدًا غير مأْلوف ولو لم يكُن ذا حدَث أَو ثمرةَ أَبـحاث واختبارات وجهود مضنيةٍ نادرًا ما يصل صاحبها إِلى بلوغ جائزة كبرى ذات سطوع دولي.

وليس من الضروري أَن يكون الرابح حقَّق عملًا ذا جدوى أَو منفعة عامة. إِن هي إِلَّا بادرة طريفة تسطع بالرابح إِعلاميًا كذلك على أَوسع شبكةٍ إِذاعية وطنية أَميركية. وفي هذا تحفيز للفرد الأَميركي على القيام بنشاطٍ أَو اكتشاف أَو طُرفةٍ حتى تختاره لجنة الجائزة وينتشر خبر فوزه ولو بأُسلوب كاريكاتوري طريف.

الشاهد من كل هذا: تشجيع البحث والتفتيش والإبتكار، ولو كان بلوغُ الجائزة ساذجَ التسلية أَو الترفيه. فالغايةُ إِضاءة على “إِنجازات” تجعل الجمهور يضحك أَو يبتسم أَو يتسلَّى، فلا يظل الفرد منفردًا أَو مستوحِدًا في ما يأْتيه، أَيًّا يكن شكل الإِنجاز ومضمونه.

قد يكون ذلك عاديًّا في مجتمعاتٍ تكون غالبًا مترَفةً أَو مرتاحةً من الهموم الإقتصادية أَو الأَمنية، ما يجعل الرفاه مكْمِلًا طابعَها الاجتماعي. لكنَّ المجتمعات الغارقة في همومها لاهثةً وراء الرغيف، أَو القَلِقَة على مصيرها الفردي أَو الجماعي، قد لا تكون لها رغبة أَو حاجة أَو ميول إِلى ابتكار الرفاه. من هنا ما نقرأُه عادةً عن المدن السعيدة في العالم، وتلك الحزينة أَو التاعسة.

إِنه بحثُ الإِنسان دائمًا عن ضحكة تُخفي دمعة، عن بسمة تُخفي غصة، عن نكتة تغلِّف أَنينًا. ذلك أَن البقاء في نكَد الدمعة والغصة والأَنين يزيد من مرارة العمرِ حين العمرُ لا يتَّسع للحظات فرح.

واستنباطُ الفرح، بلوغٌ إِلى لحظاتِ سعادةٍ تعادل رُبْح جائزةٍ أَيًّــا تكُن هُويةُ هذه الجائزة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى