الأمورُ بخَوَاتيمها

بقلم راشد فايد*

إلى أين يأخذنا سعد الحريري، والى أين ستُوصِلنا “هذه التنازلات”؟

إلى هذين السؤالين، كثير مثلهما يطرحه جمهورٌ اختار سعد الحريري زعيماً منذ انتخابات 2005، بعد اغتيال والده شهيد لبنان رفيق الحريري. بعض هذه رافق الأب، تعبيراً عن رغبة معرفية، أو تشكيكاً، أو إفشالاً، تنفيذاً لحرص الوصاية الأسدية على تحجيم لبنان.

كان هدف الشهيد النهوض الإقتصادي وإعادة البناء، ترجمةً لنظرية مبدئية تُفيد بأن التنمية الإقتصادية تُوصل الى الأمان الإجتماعي وتُعزّز إرادة الإستقرار والحرص على السلم الأهلي، وقطع علاقة لبنان بالحرب ونتائجها، واستعادة موقعه المتميّز وإخراجه بـ”تؤدة” من تحت مظلّة الوصاية الأسدية، المُؤيَّدة، في بدايتها عربياً ودولياً.

ما كان للبنان أن يبلغَ هذا الهدف لولا رفيق الحريري، لذا اغتيل في 14 شباط (فبراير) 2005، بعدما بات مؤكّداً أن مَن أيَّدَ حكم الوصاية، بات مُتحَمِّساً لرفعها، وأن بقاء الشهيد، بعدها، سيُحقّق قفزة كبرى للبنان في التنمية والتقدم، فعوقب كل اللبنانيين باغتياله.

هادن الشهيد نظام الوصاية، ليُحقّق طموح اللبنانيين، الذين يرون الأمور، ولا يزالون، إما بيضاء أو سوداء، ولا يرتضون بالديبلوماسية، والعمل الدؤوب الهادئ، حتى وهُم مُكبَّلون بأصعب الظروف، على عكس دأب الشهيد في المواجهة الصامتة مع خصومه، داخلياً وإقليمياً.

أُغتيل رفيق الحريري، وجاء جمهور 14 آذار 2005، لاحقاً، بنجله سعد رئيساً للوزراء، فيما حلّ محل الوصاية الأسدية، وصاية فارسية بقناعٍ لبناني، تحكّمت بمفاصل عدة في الحياة العامة، أهمها دور الشريك المضارب، وحتى المتميّز، في احتكار السلاح، والقرار السياسي، برضى لبنانيين وبرغم أكثريتهم.

وكما واجه رفيق الحريري أسئلة من نوع: ماذا يريد؟ والى أين يأخذنا؟ ولماذا يُقدّم تنازلات؟ يواجه سعد الحريري اليوم، الأسئلة نفسها. يومها قدم الأب أجوبته بالعمل الصامت، وكان إنجازه الأكبر، انه سقى بدمه شجرة الوحدة الوطنية يوم 14 شباط 2005، واكتشف اللبنانيون أنه كان يخوض حرباً ذكية في وجه هيمنة الوصاية.

اليوم، يخوض سعد الحريري معركة استئناف النهوض الإقتصادي والتنموي، مُحاذراً المطبّات العديدة، الصديقة والعدوّة، مُراهناً على الوصول بالبلاد “مُجدّداً” الى برّ التنمية والإستقرار. ويكابد في الوقت نفسه مصاعب انعكست على مؤسسات “المستقبل” وغيرها، من دون أن يوفّر جهداً لعلاج نتائجها من جهة، وإن كانت لا تبعد عمّا تُواجهه كل البلاد، من جهة اخرى. برغم ذلك، ليس الأمر بعارض بسيط، أصاب هذه المؤسسات، والعاملين فيها، كما ليس بعارض بسيط ان يغمض “قادرون” عيونهم عما يجري، فلا يُبادرون، وأكثرهم جنى وجوده في ظل الحريرية، ومن خيرها. بدل ذلك، يُغذّي الكلام على ما يزعمه تنازلات قدّمها الحريري من دون ان يزن حال البلد بجدية ومسؤولية، ويجيب الرأي العام: ماذا كان الحال ليكون من دون التسوية الرئاسية، التي كنت أرفضها كاحتمال، ووجدت انها خطوة شجاعة تداركت الأسوأ.

  • راشد فايد صحافي ومُحلّل سياسي لبناني وكاتب مقال أسبوعي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: rachfay@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى