وصيَّة فؤَاد الترك: “لبنان مقرًّا دولـيًّا لحوار  الأَديان والثقافات”

بقلم هنري زغيب*

شُكرًا فؤَاد الترك في غيابه، على ديمومة فكرته الرائدة: “اعتماد لبنان مقرًّا دوليًّا لـحوار الأَديان والحضارات” (غلاف العدد الأَول – كانون الأَول/ديسمبر 2008 من “المجلة الدﭘـلوماسية” التي أَسَّسها وكان رئيسَ تـحريرها) وأَن يكونَ الـمقرُّ تابعًا للأُمم الـمتحدة التي صوَّتَت قبل أَيام على مُـجَــرَّد “أَكاديـميا للتلاقي الإِنساني والـحوار” يتولَّاها لبنان ويديرها (!؟) بِـما فيه من انشقاقات وفصائل.

غالبًا ما كان فؤَاد الترك يُـحدِّثني عن جعْل لبنان “نَـموذجًا لـحوار الحضارات باستصدار قرار من الـجمعية العامة للأُمم الـمتحدة يعتمد لبنان مَقرًّا لـحوار الأَديان والـحضارات والثقافات، مشروعًا طَموحًا يَـحتاج أَسبابًا موجِبة وتسويقًا عالـميًّا يُـمَكِّنه من أَن يُصبح واقعًا” (رلى مخايل – “النهار” 12 آذار/مارس 2011). وفي مُـخطَّطه أَنَّ الترجمة العملية لعبارة البابا يوحنا بولس الثاني “لبنان رسالةٌ أَكثر منه بلدًا” لا تتحقَّق إِلَّا بإِعلان الأُمم الـمتحدة لبنانَ/الوطنَ مقرًّا لـحوار الـحضارات (افتتاحيتُه للعدد الثاني عشر – كانون الأَول/ديسمبر 2011 من “الـمجلة الدﭘـلوماسية”).

وذات يومٍ كنتُ مع السفير الترك في زيارةٍ إِلى غسان تويني، كبيرِ الـمُؤْمنين بِـمشروع الترك والساعي معه إِلى اتصالات لدى شبكة علاقات تويني الواسعة بقنوات الأُمم الـمتحدة، وأَذكُر من تلك الـجلسة قولَ الترك إِنَّ لبنان “منذ الاستقلال يعيش على التسويات لا على الـحلّ بـاستنباطِ دورٍ يرتكز إِلى قيمة لبنان وموقعه الإِنساني، فيَبرز بـهذا الدور متفرِّدًا في الـمجتمع الدولي، وإِلَّا تراجَعَ سببُ وُجودِه واستمراره”. وفي مقاربة السفير الترك أَنَّ “لبنان الديـمُوغرافيا والـجُغرافيا يظل بلدًا ثانويًّا هامشيًّا إِن لـم يكن له دورٌ دُوَلـيٌّ متميِّـزٌ بتَنَوُّع ما على أَرضه من تاريخِ حضاراتٍ وروحانيةِ أَديانٍ وسُطُوعِ ثقافاتٍ. ويستتبع ذلك اتـخاذ الأُمم الـمتحدة مبنًى في لبنان واعتمادها نظامًا دُوَلـيًّا وآليةَ عملٍ وباحثين واختصاصيين وجهازًا إِداريًّا، كسائر منظَّماتٍ دوليةٍ على أَرضه تابعةٍ مباشرةً للأُمم الـمتحدة” (“نداء منتدى سفراء لبنان” برئاسة فؤاد الترك في 15 كانون الأَول/ديسمبر 2006).

هذا الـمشروع الرائد، وَفْق السفير الترك، لا يقوم إِلَّا بــ”تـحييد لبنان عن الصراعات، وفصْل وضْعه عن قضية الشرق الأَوسط” (افتتاحيته للعدد الرابع عشر – حزيران/يونيو 2012). وإِلَّا يبقى نافلًا كلُّ مشروع دون هذا الحجْم الدولي إِذا تَـمَّ تقزيـمُه إِلى أَيِّ شكلٍ مَـحليٍّ تتولاه فئاتٌ مـحليةٌ ثَــبُتَ عقْمُها بعد جَعْلها لبنان ساحةَ صراع. لذا يَـجب “إِقفالُ لبنان الساحة” (أَنطوان مسرَّة – “النهار” 22 آب/أُغسطس 2006).

وما زلتُ أَذكر ترديد السفير الترك في جلساتنا بأَنْ “لنْ يكونَ للبنان حضورٌ تـحت الشمس إِلَّا بِدَورٍ ذي حجْم دُوَلـيّ، وبأَنْ تكون فيه حصانةٌ دولية ومعنوية لـهذا الدور/الرسالة”.

هذا الـمشروع الرائد، الذي غاب صاحبُه فـجأَةً في تـمُّوز/يوليو 2012 قبل استكماله، هو الـمُنقذُنا من التخَــبُّط الفاجع اليوم في لبنان الدولة أَركانًا ومؤَسسات، فيما لبنانُ الوطن يَشعُّ إِبداعًا ساطعًا في معظم أَوطان العالـم.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى