تركيا تسير على حبلٍ مشدود

فيما تحاول تركيا موازنة تعاملها مع الولايات المتحدة وروسيا، إلّا أن الوقت لم يعد بعيداً لكي تختار مع أي جانب ستسير، وتتحمل بالتالي التبعات والنتائج المترتبة عن ذلك.

فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان: علاقتهما صارت أكثر ودية ولكن…

 

بقلم مُهنّد الحاج علي وعمر أوزكيزِيليك *

منذ بداية الصراع في سوريا، تتبع تركيا في بلاد الشام ترتيبات ديبلوماسية أنجزتها مع كلٍّ من روسيا والولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر ينطوي على عملية توازن صعبة بين قوتين مع جداول أعمال مُتضاربة، فقد نجحت أنقرة في الحفاظ عليها، حتى لو كانت تصوّرات التهديد داخل الحكومة تُشير إلى أن تركيا قد تفضّل موسكو إذا كان عليها أن تختار بين الإثنين.

والسبب في ذلك هو أن الإجراءات الأميركية في سوريا يُنظَر إليها من قبل المسؤولين الأتراك على أنها تُعرّض أمن تركيا الداخلي للخطر. إن واشنطن تدعم وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، التي تراها تركيا إمتداداً لحزب العمال الكردستاني، الذي هو بدوره جماعة مسلحة تعتبرها كلٌّ من أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. في المقابل، لم تُمثّل الأعمال الروسية حتى الآن تهديداً للأمن الداخلي، حتى لو كانت تركيا وروسيا قد تختلفان حول مستقبل سوريا وتدعمان الأحزاب المتنافسة هناك. كما أن هناك سجلاً حافلاً بالإنجازات للجانبين بالعمل سوياً في سوريا.

بالنسبة إلى تركيا، يُساعد التعامل مع موسكو على تحقيق أهدافها السياسية، في حين اتسمت التعاملات التركية مع الولايات المتحدة بالإحباط. وقد أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أخيراً إلى أن تركيا تعتقد أن الإتفاقات مع الولايات المتحدة بشأن إنشاء منطقة آمنة في المنطقة الحدودية الشمالية الشرقية لسوريا لمنع التسلل الكردي عانت من عدم التنفيذ. في 15 أيلول (سبتمبر)، صرح أردوغان في قمة عُقدت في أنقرة مع روسيا وإيران، بأن تركيا سوف تتصرف من جانب واحد إذا لم يتم إنشاء هذه المنطقة. وكانت الولايات المتحدة وتركيا وافقتا في وقت سابق على إنشاء مركز عمليات مشترك للمنطقة، ولكن كان التصوّر هو أن الضغط التركي قد جعل هذا الأمر ممكناً.

لقد حدّدت تعاملات تركيا مع روسيا كلاً من ساحة المعركة الشمالية في سوريا ومفاوضات نزع السلاح من خلال عملية أستانا، والتي كانت تركيا شريكاً لا غنى عنه فيها. كانت أنقرة ضرورية لتأمين مشاركة جماعات المعارضة السورية التي تدعمها. وقد سهّلت قناة أستانا أيضاً عدداً من الإتفاقات الروسية – التركية لمواجهة القتال في محافظة إدلب. ويُنظر إلى هذا على أنه أمر حيوي بالنسبة إلى المصالح التركية، لأن هناك حوالي مليوني سوري، معظمهم من النازحين داخلياً، يقيمون في المحافظة، وفيما يتحرك الجيش السوري شمالاً، يُمكن لهؤلاء أن يهربوا ويفروا نحو الحدود التركية.

تستلزم عملية أستانا أيضاً تشكيل لجنة لوضع دستور جديد لسوريا، وفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. وترى أنقرة أن دورها في أستانا يمنحها نفوذاً لاستبعاد جميع الشخصيات المُنتسبة إلى وحدات حماية الشعب الكردية من المفاوضات حول مستقبل سوريا، وحرمانها من أي وضع قانوني مستقل في شمال شرق سوريا. لهذا السبب تعتبر تركيا وحدة الأراضي السورية أولوية. وتوافق موسكو على ذلك، لذا أعادت تفسير مفهوم السلامة الإقليمية بما يتلاءم مع السياسة التركية. في الواقع، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل صريح أن موسكو تنظر إلى توسيع تركيا للمنطقة الآمنة في شمال شرق سوريا كخطوة من شأنها حماية السلامة الإقليمية السورية بشكل فعّال.

ومع ذلك، فإن التعاون التركي – الروسي في سوريا لا يخلو من مشاكله. يختلف الجانبان حول مستقبل الرئيس بشار الأسد والإنتقال السياسي. فيما تعتبر روسيا نظام الأسد هو الحكومة الشرعية لسوريا، فإن تركيا تقول إن السلام لن يسود هناك من دون رحيل الأسد. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع في إدلب وتل رفعت هو مصدر تصعيد مُحتمَل. وقد توقعت مذكرة سوتشي في أيلول (سبتمبر) 2018 إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط المواجهة في إدلب، والتي بموجبها تنسحب منها الجماعات المتطرفة مثل هيئة تحرير الشام. ومع ذلك، لا تزال هيئة تحرير الشام موجودة في مكانها، وتعتقد روسيا أن تركيا لم تفعل ما يكفي لإخراجها.

في المقابل، يعترض الأتراك على أن الروس فشلوا في اتخاذ إجراءات صارمة ضد قوات حماية الشعب الكردية في تل رفعت التي هاجمت المناطق المحمية من الأتراك في عفرين وشمال محافظة حلب. لقد منعت روسيا أيضاً عملية مُحتمَلة مدعومة من تركيا في منبج في تشرين الأول (أكتوبر) 2017، بعد نشر قوات في العريمة لمنعها من التقدم ضد وحدات حماية الشعب. وكان هدف هذا الحفاظ على التوازن في المنطقة. إن روسيا قد كسبت من استعمال وحدات حماية الشعب ضد الأتراك.

وبدورها لم تتصرف تركيا بشكل مختلف. لقد استخدمت علاقتها مع الولايات المتحدة لتحقيق بعض أهدافها في سوريا. على سبيل المثال، ساعد الدعم الديبلوماسي الأميركي والألماني والفرنسي تركيا على إقناع روسيا بإعلان وقفٍ لإطلاق النار في إدلب الذي من شأنه أن يؤدي إلى تنفيذ مذكرة سوتشي، بعدما رفضت روسيا وإيران ذلك خلال قمة عُقدت في طهران في 7 أيلول (سبتمبر) 2018، حيث شهد موقف تركيا دعماً برفض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تمويل إعادة الإعمار في سوريا من دون انتقال سياسي حقيقي، ودعمهما الديبلوماسي لأنقرة في الأمم المتحدة.

لهذه الأسباب وغيرها، تحتاج تركيا إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لموازنة روسيا في سوريا، تماماً مثلما تحتاج إلى روسيا للرد على الأميركيين. لكن هل سيستمر تحقيق التوازن ويصمد؟ إذا كانت تركيا مُجبَرة على اختيار أحد الجانبين، فقد تُمثّل روسيا خياراً أكثر براغماتية، ولكن فقط طالما أن موسكو لا تُشكل تهديداً للأمن القومي لتركيا من خلال دعمها لهجوم النظام السوري في إدلب الذي سيدفع ملايين النازحين السوريين نحو تركيا.

علاوة على ذلك، لكي تستمر العلاقة التركية -الروسية، قد تضطر أنقرة إلى التخلي عن معارضة الإنتقال السياسي بوجود الأسد في سوريا، مقابل تسوية تستبعد وحدات حماية الشعب الكردية وتنهي الحكم الذاتي الفعلي للمناطق الخاضعة لسيطرتها، وتُسهّل عودة اللاجئين السوريين من تركيا. في الوقت الحالي، ستستمر أنقرة في محاولة السير على حبل مشدود لأطول فترة ممكنة.

  • مُهنّد الحاج علي هو مدير الإتصالات وزميل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. وعمر أوزكيزيليك يعمل حالياً في قسم الأمن التابع لمؤسسة “سيتا” (SETA) في أنقرة وهو رئيس تحرير مجلة “Suriye Gündemi” التركية.
  • كُتِب هذا التقرير بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى