هجوم الطائرات المُسيَّرة: إستنتاجات قد تُغيِّر نظرتنا الى الصراع في الخليج

بقلم البروفسور بيار الخوري*

في ظل التطوّرات الأخيرة التي تشهدها ساحة الصراع السياسي والعسكري في الخليج، والتي طالما اتخذت من معاداة القوى غير الصديقة للولايات المتحدة الأميركية غطاءً لها، فقد أُضيف إلى هذا الصراع بُعداً جديداً تمثّل في استهداف الحوثيين لحقول النفط السعودية.

ان ذلك البُعد الإقتصادي لا يُعَدّ حلقة جديدة في مسلسل النزاع المُستعِر لسنوات داخل الأراضي اليمنية، بل يُمكِن وصفه بأنه جوهر الأهداف الاستراتيجية لجميع الأطراف المُتناحِرة في المنطقة.

ولعلّ السؤال الأهم الذي يُشغل الرأي العام العالمي حالياً: ما هو تأثير الهجمات التي طالت المواقع النفطية السعودية منذ أيام على أسعار النفط العالمي، وبخاصة أن شركة أرامكو، التي تعرّضت منشآتها في منطقة بقيق السعودية للهجوم، فضلاً عن استهداف حقل خريص النفطي أيضاً، تُعتبَر المسؤولة عن إنتاج نحو 5% من الإنتاج النفطي العالمي اليومي؟ علماً أن إنتاج المنشأتين النفطيتين المضروبَتين يعادل نحو 50% من حجم الإنتاج النفطي السعودي، فهل بات مستقبل المملكة السعودية النفطي في مرمى النيران اليمنية؟

التداعيات السياسية والتأثيرات الإقتصادية للهجمات الأخيرة على قطاع الطاقة في العالم

قد لا يُمكن التكهّن راهناً بحجم الخسائر المُتوَقَّعة على صعيد قطاع الطاقة العالمي، وخصوصاً أن هناك بعض العناصر التي لا زالت غير قابلة للحصر والضبط بعد، كحجم الإستثمارات العالمية النفطية وأسعار النفط. لكن الحقيقة التي يُمكن الجزم بها حالياً هي أن مستقبل النفط الآمن بات مثاراً للمزيد من الجدل، ومسألة خاضعة للعديد من التساؤلات على الصعيد العالمي، وربما تكون تلك هي النتيجة المباشرة الأولى المترتبة على الأحداث الأخيرة.

إن الإرتفاع الذي شهدته أسعار النفط عقب الهجمات الأخيرة سيدعو إلى حالة من القلق داخل الأسواق العالمية، وبخاصة في حال عدم الوصول إلى رد اميركي – خليجي واضح الملامح وقادر على وقف هجمات الحوثيين، وهو أمر لا بيدو ممكناً بحسب كل السيناريوهات المطروحة.

قد يتراءى للبعض مثلاً أن ثمة قصفاً جوياً كثيفاً سوف تتعرّض له المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، ولكن هذا السيناريو لا يُضيف جديداً في أرض إختبرت القصف الجوي حتى الثمالة، وبلا نتيجة في جميع الأحوال. بالتالي يغدو من الطبيعي إن تثير حالة الغموض التي تخيم على الوضع الامني في الخليج حالة من القلق بين المستثمرين في جميع أنحاء العالم.

هل أسقطت الهجمات الأخيرة الهيبة والمكانة النفطية للمملكة العربية السعودية أمام العالم؟ وما تأثير ذلك على الولايات المتحدة الأميركية؟

من المؤكد أن الأمر بات يتطلب من الرياض أن تسعى جاهدة وبشكل ملح إلى تسوية أوضاعها داخل اليمن، لأن استمرار تعرض النفط السعودي للخطر يُهدّد بتدمير منافذ العلاقات الثنائية بين كلٍّ من الرياض وواشنطن على كافة الصُعُد السياسية والعسكرية، ناهيك عن الخطر الواقع على الوضع الجيوسياسي للنفط في المنطقة والإقتصاد العالمي بوجه عام.

على أية حال فإن الحديث عن قيام الولايات المتحدة بخطوة ما كنوع من الرد على ما حدث لن يأتي بنتائج مثمرة على الإطلاق، بل يُمكن اعتباره بمثابة نوع من الحماية الهلامية التي كسرتها تصريحات الرئيس الاميركي حول حاجة دول الخليج إلى تطويرآليات الدفاع الذاتي، مما يعني المزيد من ابتزاز هذه الدول بمزيد من المليارات مقابل الحماية الهلامية التي لا تفعل سوى زيادة انكشاف هذه الدول على الحرب.

هل ترغب واشنطن بتوريط الدول الخايجية؟ ليس أكيداً ولكن الأكيد ان كلاً من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لا تمتلك حالياً استراتيجية واضحة للدفاع عن الإمدادات النفطية، وتكمن المشكلة الأكبر في أن أي إجراء سعودي أو أميركي مُحتمَل ضد اليمن قد يحتسب ضدهما في صراعهما الأكبر مع طهران، ولعل ذلك ما يفسر التوقيت والظروف التي تم فيهما استهداف المواقع النفطية السعودية من قبل القوات اليمنية.

المدن الزجاجية

حينما يتحدّث الحوثيون حالياً عن استهداف المدن الزجاجية في الخليج، ففي ذلك رسالة واضحة موجهة إلى كلٍّ من العمقين السعودي والإماراتي، وتهديدٌ مباشر من أجل حمل كلا الدولتين على سحب قواتهما من اليمن وإنهاء هذه الحرب التي يجمع العالم اليوم على انها بلا أفق، كما أن تركيز اليمن أخيراً على محاولة فك الإرتباط بين كلٍّ من الرياض وأبوظبي قد يُلقي بظلاله حتماً على مستقبل العلاقة بين الدولتين الخليجيتين.

من الأمور التي باتت واضحة أخيراً هي نشوب نوع من الخلاف بين كل من الوجود السعودي والإماراتي داخل اليمن، ولعلّ تلك الثغرة هي ما يحاول الحوثيون استغلالها راهناً من أجل التخلص من كلا الجبهتين الصديقتين. إن تهديد المدن الزجاجية من شأنه شل القدرات الإماراتية وإخراج أبو ظبي من المشهد اليمني، وربما من حملة الضغط القصوى برمتها.

إن الإقتصاد الإماراتي، القائم في الأساس على الخدمات المرتبطة باسواق المال الدولية، (على عكس الاقتصاد السعودي المستند في الأساس إلى المقدرات النفطية)، هو اقتصاد شديد الحساسية، ومرتكز على الإنكشاف الإقتصادي، والعلاقات بين الداخل والخارج، والإستثمارات الدولية واسعة النطاق. لذلك فان هذا التهديد هو بمثابة صفارة إنذار خطيرة لدولة الامارات.

الاثارعلى الاقتصاد السعودي: الدخل والثروة

وبالإشارة إلى تخفيض إنتاج النفط كنتيجة مباشرة للهجمات الأخيرة، حيث يتوقع الخبراء بأن تفقد السعودية نصف طاقتها الإنتاجية من النفط والتي قد يصعب استعادتها قبل 6 أشهر من الآن، فإنه يُهدد بخسارة نحو 100 مليار دولار كفاقد سنوي، ويشكل هذا الامر مؤشراً خطيراً لدور السعودية كمنتج للامدادات النفطية التي طالما اعتبرت الاكثر أماناً في العالم.  علماً أن مبلغ 100 مليار دولار يمثل نصف الناتج المحلي الاجمالي السعودي، فما الذي سيعنيه فقدان نصف حجم الناتج؟ تداعيات غير مسبوقة ورقمٌ غير مسبوق في الإقتصاد العالمي. وحدها الدول التي تنزلق نحو الحروب الاهلية الطاحنة يُمكن ان ينزلق معها الناتج الوطني بهذا القدر. يُمكن اصلاح ما خرّبته الطائرات المُسيّرة في ثلاثة او ستة اشهر، ولكن ما الذي يضمن عدم نجاح عمليات غارات مُسيّرة اخرى؟

وبالنسبة إلى شركة أرامكو، وهي أكبر شركة منتجة للنفط في العالم وأيقونة الثروة الإستثمارية السعودية، فيجب ألّا ننسى أن الضربات الأخيرة  قد اصابت الطرح الاولي للشركة (الإكتتاب العام) في مقتل. لقد أصابت الطائرات المُسَيَّرة كلاً من مَصدَرَي الدخل والثروة السعوديين، مما يضع مستقبل الإقتصاد السعودي، وربما الإقتصاد العالمي بوجه عام، على المحك.

  • البروفسور بيار الخوري، أكاديمي وباحث إقتصادي واستراتيجي لبناني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى