قيادة جديدة وتحدّيات أكبر لصناعة النفط في المملكة العربية السعودية

أقالت المملكة العربية السعودية في أوائل الشهر الجاري رئيس مجلس إدارة أرامكو السعودية ووزير الطاقة خالد الفالح الذي يُعتبر أحد الخبراء التكنوقراط في مجال النفط والغاز، وعيّنت مكانه في المنصبين ياسر الرميان والأمير عبد العزيز بن سلمان على التوالي. فلماذا كان هذا التغيير؟ وما هي نتائجه؟

الأمير عبد العزيز بن سلمان: شعلة الطاقة بين يديه

 

بقلم رؤوف محمدوف*

فاجأت المملكة العربية السعودية صناعة النفط والغاز الدولية في وقت سابق من هذا الشهر بتعديل مَوقِعَين لها في مجال الطاقة. فقد تمّت إقالة خالد الفالح، التكنوقراطي والخبير في عالم الهيدروكربونات، كرئيس لمجلس إدارة شركة أرامكو السعودية في 8 أيلول (سبتمبر) وكوزير للطاقة في اليوم التالي. وعُيِّن مكانه ياسر الرميان كرئيس مجلس إدارة جديد، والذي سيستمر أيضاً في شغل منصب حكومي رئيس آخر – محافظ صندوق الإستثمارات العامة، وهو صندوق الثروة السيادية للمملكة. كما عُين نجل الملك سلمان، الأمير عبد العزيز بن سلمان، وزيراً جديداً للطاقة.

نظراً إلى أن السعوديين لم يُقدّموا أي تفسير لقرار استبدال الفالح، فقد إنتشرت الإشاعات وتفشّت التكهنات. إحدى النظريات التي أدت إلى فقدانه كرسي أرامكو السعودية تقول أنه فشل في تحقيق النتائج المتوقعة. وأخرى تفيد بأن الحكومة تريد تقليص دورها في أرامكو السعودية قبل الطرح العام الأولي المُزمِع. وهناك نظرية أخرى تقول أنه كانت لديه خلافات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية.

إن إقالة الفالح كوزير للطاقة تُضعف مصداقية الفكرة بأن الحكومة كانت تتحرّك لتخفيف قبضتها على وزارة الطاقة قبل الإكتتاب العام، لأن الوزير الجديد هو عضو في العائلة المالكة.

ويبدو أن التكهنات بأن الفالح قد أطيح من رئاسة أرامكو السعودية لأنه فشل في اتخاذ خطوات لرفع سعر النفط إلى 80 دولاراً للبرميل – سعر التعادل للإقتصاد السعودي – بعيدة من الحقيقة كذلك. في الواقع، لقد لعب دوراً رئيساً في ترتيب شراكة أوبك مع روسيا في العام 2016 والتي حافظت على قيادة المملكة العربية السعودية للمنظمة، لكنها رفعت أيضاً أسعار النفط من 46 دولاراً إلى 65 دولاراً. ويُدرك المراقبون الأذكياء أنه لا يمكن لومه على عدم إرتفاع أسعار النفط أكثر. هناك العديد من الأسباب لذلك، بما فيها إنخفاض الطلب الآسيوي، وجهود إدارة دونالد ترامب للحفاظ على مستوى منخفض للأسعار.

يبدو أن التفسير الأكثر منطقية لإطاحة الفالح يدور الآن حول ولي العهد: إما أن الفالح كان على خلاف مع الأمير محمد بن سلمان، أو قرر ولي العهد وضع ناسه في مناصب الطاقة العليا.

فيضانٌ من الأخبار حول الإكتتاب العام الذي طال انتظاره، أعقب تغيير قيادة الطاقة. وقد إفتتح الرئيس التنفيذي لأرامكو السعودية أمين ناصر بوابة هذا الفيضان بالقول إن الإكتتاب العام سيتم “قريبًا جدًا”.

تبعت ذلك تقارير تفيد بأن سوق الأسهم السعودية – تداول – ستتولى مهمة الإكتتاب العام. إن الإستعانة ببورصة نيويورك أو لندن ستؤدي إلى زيادة خطر الدعاوى القضائية بموجب قانونين أميركيين. أحدهما هو قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا” (JASTA)، الذي سمح بدعوى ضد المملكة العربية السعودية في ما يتعلق بهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 من خلال تضييق نطاق الحصانة السيادية الأجنبية. كما ستسمح التشريعات المقترحة المعروفة باسم “نوبيك” (NOPEC) رفع دعاوى ضد الدول التي تحاول إبقاء النفط خارج السوق لزيادة الأسعار.

وتُشير التقارير إلى أن أرامكو السعودية تُخطط لبيع أسهمها بزيادات – 1 في المئة هذا العام و1 في المئة العام المقبل، قبل بيع أكبر بنحو 5 في المئة في وقت لاحق.

وتفيد المعلومات بأن الأمير محمد بن سلمان طلب من العائلات السعودية الغنية شراء غالبية أسهم الإكتتاب العام. وكان هذا هو الحال مع الإكتتابات العامة السابقة للشركات المملوكة للدولة، مثل الإكتتاب العام للبنك السعودي الوطني في العام 2014. خلاصة القول هي أن القادة السعوديين، في حين أنهم يريدون المال الذي تجلبه الإكتتابات العامة الأولية، يشعرون بالقلق من أن تقع أكثرية الأسهم في أيدٍ غير سعودية – لأنه يعني فقدان السيطرة.

من ناحية أخرى، سيعني الإكتتاب العام مزيداً من الشفافية لأن أرامكو السعودية ستضطر إلى اتباع قواعد الإفصاح المالي الدولية، كما فعلت مع بيع سنداتها الأولى هذا الربيع. إن متطلبات الكشف لديها القدرة على جعل الشركة أكثر احترافاً وشفافية، لكن يجب أن يُدرك المستثمرون المُحتَمَلون أن الحكومة ستواصل فرض هيمنة صارمة على الشركة.

في الواقع، لقد تم تعزيز قبضتها منذ صعود ولي العهد. تخضع الشركة الآن إلى مجلس أعلى يرأسه الأمير محمد بن سلمان. وعلامة أخرى على أن هناك قبضة حكومية أكثر تشدداً هي أن رئيس أرامكو السعودية الجديد يرأس أيضاً مجلس إدارة مؤسسة حكومية مهمة أخرى، هي صندوق الإستثمارات العامة. إن إقالة الفالح أنهت أيضاً تقاليد قديمة تقوم على الإستعانة بالتكنوقراطيين بدلاً من أفراد العائلة المالكة الذين يديرون وزارة الطاقة.

تشير سلسلة التطورات هذه إلى أن الإكتتاب العام في أرامكو السعودية وشيك. لقد خفف قادة البلاد من المخاطر من خلال الترتيب لبورصة محلية للتعامل مع العرض، وتمهيد الطريق لمعظم الأسهم للذهاب إلى الشركات أو الأفراد السعوديين.

سيتوقف نجاح الإكتتاب العام على تقييم المستثمرين لقيمة الشركة والمستوى الذي يعتقدون أن أسعار النفط تتجه إليه. وقد حدّد السعوديون قيمة الشركة بمبلغ 2 تريليوني دولار، وهو رقم يعتبره الكثير من خبراء الصناعة مُبالغاً فيه إلى حد كبير. وفي الوقت عينه، كانت أسعار النفط مُتقلّبة على مدى السنوات الأربع الماضية، وليس هناك من شخص يستطيع التنبؤ إلى أين ستصل في السنوات المقبلة.

من جهة أخرى، تُمثّل هجمات الطائرات المُسيَّرة الأخيرة على بنية تحتية نفطية سعودية حاسمة أول تحدٍّ هائل للقيادة الجديدة للشركة. هذه الهجمات سيكون لها بلا شك تأثير سلبي في خطط أرامكو السعودية للإكتتاب العام. وتُضيف حساسية البنية التحتية الحيوية لأرامكو السعودية وقابلية تعرّضها لهجومات تخريبية طبقة أخرى من التعقيد إلى الطرح العام المُعقّد بالفعل، مما يقوّض ثقة المستثمرين المُحتَمَلين، وهو ما سينعكس بدوره في التقييم الشامل للشركة.

  • رؤوف محمدوف باحث في سياسة الطاقة بمعهد الشرق الأوسط. وهو يركز على قضايا أمن الطاقة، واتجاهات صناعة الطاقة العالمية، وكذلك علاقات الطاقة بين الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب القوقاز. إن وجهات النظر المعروضة في هذه المقالة هي خاصة به.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى