سر العلاقة بين الديكتاتور والحذاء

بقلم عرفان نظام الدين*

 

لا أدري ما هو سرّ العلاقة بين الديكتاتور والحذاء، أي “الجزمة” حسب التعبير الشعبي. ففي كل مرة يسقط فيها ظالم او ديكتاتور أو مُتحكِّم برقاب العباد أو أرزاقهم، يطفو على السطح حديث الأحذية والجَزمات، ويُركّز المعارضون والثوار على هذه النقطة أكثر من غيرها حتى صارت الجزمة لصيقة بتاريخ كل مستبدّ.

فبعد سقوط الطاغية نيكولاي تشاوتشيسكو وزوجته إيلينا المُتحكّمة به وبالشعب الروماني، كشفت سيرته الذاتية انه كان في بداية حياته يعمل إسكافياً، أي صانع احذية، وتَدرَّج في القفز حتى وصل الى منصب رئيس رومانيا وحاكمها الأوحد الذي أوصل البلاد الى حافة الإنهيار. وفي معرض فضح حياة البذخ والترف التي كان يعيشها الزوجان أُعلِن أنهما كانا يملكان 365 زوج أحذية لكل منهما، أي حذاء لكل يوم لا يُستخدَم سوى مرة واحدة فقط، ثم يُرسَل الى فرن خاص لإحراقه.

وعندما سقط ديكتاتور الفيليبين الراحل فِرديناند ماركوس وزوجته المستبدة إميلدا، نقل التلفزيون من قصرهما صوراً للأحذية التي كانا يمتلكانها وقُدِّرت بالمئات.

ودرج الطغاة والمستبدون على تشبيه المُقرَّبين وأفراد الحاشية والوزراء والإنتهازين والمُنافقين، وهم كثر، بالأحذية التي يرتدونها فترة ثم يتخلّصون منها بسرعة، او بالقباقيب التي تُستخدَم في الحمّام، وهي القباقيب نفسها التي تخلصوا بها من شجرة الدرّ عندما حرّضوا على قتلها ضرباً.

ومطلوب من علماء النفس ان يدرسوا هذه الظاهرة بعناية لمعرفة تاثيرها في مستقبل الشعوب، ومحاولة حل العقد النفسية المُتعلّقة بها حتى لا نبتلي بطغاةٍ جدد.

وقد سمعت عن مسؤول كبير كانت تسليته الوحيدة كل ليلة هي القيام بجولة على السجون ليتلذذ بضرب المُعتقلين السياسيين بحذائه، ويعود الى منزله ظافراً هانئاّ سعيداً. وتبيَّن بعد انتحاره او اغتياله أن ساديته نابعة من طفولته عندما كان والده يضربه بالحذاء بقسوة لاي سبب.

وأختم بخطأ مطبعي لفت نظري قبل سنوات عدة في صحيفة عربية ارادت الإشادة بأحد المُستبدّين في مقال مُدبَّج بعبارات المديح بفضائله وإنجازاته، وختمته بجملة مفيدة قالت فيها أن أهم مميزات هذا الزعيم العظيم إنه يتعامل مع مواطنيه بالجزم وتسببت النقطة الزائدة على كلمة الحزم في فصل رئيس التحرير، ووقف المساعدات عن الصحيفة، وتعذيب المحرر المناوب بضربه بحذاء الديكتاتور.

وأخيراً وصلنا الى الحافة عندما أصبح السياسيون يتبادلون الشتائم بوصف الآخر بأنه “صرماية”؟ و”صرماية” عتيقة.

 

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، إعلامي وصحافي عربي، كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمستشار العام والمشرف على البرامج والأخبار في محطة “أم بي سي” التلفزيونية. يمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: arfane@hotmail.co.uk أو متابعته على: facebook.com/arfan.nezameddin

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى