عاشوراء…مَرثِيَّةُ الدَمعِ في إنطِفاءَةِ الشَمع

بقلم الدكتور جورج كلاس*

ليسَتْ عاشوراء بالنسبة ِ إليّ أنا المسيحي، مناسبة ً روحيةً شيعيّةً، تعني الشيعَةَ من دون غيرهم منَ الرَبَّانِييِّنَ المؤمنينَ بالرحْمَةِ والعدالةِ والمَحبَّة والخلاص.

ولَستُ أرى عاشوراء ذِكْرىً لِجماعةٍ مُسْلِمَةٍ تَستحضِرُ التاريخَ لتبكي وتَنْتِحِبُ من القلبِ انتِصاراً ل”المظْلومِ – الضحيّة” على “الظالِمِ –الجَزَّار”.
ولا هي عِندي إحتفالِيَّةُ نَدْبٍ دَامِعٍ، وتَفَجُّعٍ دَوَّام.

قَدْ يرى مؤمنونَ كُثُرٌ عاشوراء، مَحَطَّةً لِلتَذَكُّرِ َوالتَشارُكِ الإيمانيِّ بالمأساةِ التي كَتَبَتِ السيرةَ الحُسَيْنِيَّةَ بالدَّم ، فإِنْكَتَبَ الوِجْدانُ الشيعيُّ بِصَفائِها، وانطَبَعَ بنقائِها، ما جَعَلَ إِحْياءَها من طُقوسياتِ تَجْديدِ التقليدِ والحُلُوليَّةِ الوَجْدِيَّةِ المُفْضيَةِ إلى عَيْشِ النَكْبَةِ الكَربَلائيّةِ بكُلِّ جوارِحِها و مَجَارِحها وإِنكِساراتِها و حُزْنِيَّاتها و مَتروكاِتِها المُخَزَّنَةِ في الذاتِيَّةِ الشيعيَّةِ، الرَافِعَةِ صَرخةَ حَقِ أَهلِ البَيْتِ، والمُعَلّيَةِ صَدْحاً لصَوْتِهم..صَوْتِهمُ الذي ما أَنْصَتَ لهُ أَحَدٌ، وما خَفَّ لِنَجْدَتِهِ أحدٌ، وما لَهفَ عليهِ أَحَدٌ. وما هَرَعَ أَحَدٌ لِإنجادِ مَظلومي “المأساةِ – المَجْزَرةِ”، المَطعونينَ بخناجِرِ الغَدْرِ منْ خَلْفِ الظَهر.
عاشوراء، كما أُحِبُّ أنْ أَراها وأَحياها، هي ذِكرى إيمانيَّةٌ حَنَّانَةٌ، يَنْشَقُّ لها الصَدْرُ ويَخْتَلطُ فيها دَمْعُ َالوَجْدِ بِالحُبِّ الإلهيِّ وبِالتوَكُّلِ على الرَحمَن، والتعَصُّمِ بأخلاقِ الحُسين، الذي صارَتْ مَسيرتُهُ دَرْباً لِلتَطَهُرِ والتشَارُك ِ بالأَلَمِ، و خَلْعاً للْتُرابيَّةِ، و تَدَثُّراً بالنُور، وفُرصةً لإهداءِ الدَّمعِ للّه.

إٌنَّ مَحْزونِيَّةَ الحَدَثِ، على تاريخيَّتِها تَجْعَلُني أرى عاشوراءَ فِعْلَ تقاسُمٍ للألَمِ مع الحُسَيْنِ والتَأَلُّمِ لِمَظْلومِيَّةِ الواقِعةِ، ومِساحَةً إيمانيَّةً للإنطلاقِ إلى قانونِ للمَحَبَّةِ والتلاقويَّةِ، تَوزيعاً للخَيْرِ بينَ الأَخيارِ الطَيِّبين، وشَغَفاً بتَرسيمِ الفواصلِ ببنَ الخير والشَرِّ كما بين الحَقِّ والباطل.
تِلْكَها، رُؤيتي إلى عاشوراء التي أرجو أن تكونَ إحتفاليَّةَ إيمانٍ ومحبَّةٍ وإِفناءٍ لِلذَّاتِ بالّله. وأنْ يكونَ الانسانُ القريبُ مِنّا صورةَ اللهِ البعيدِ مِنّا…فنَرى اللهَ في كُلِّ مَنْ رأيناهُ وصادفناهُ وعايشناهُ وصادقناه. إِذَّاكَ تَتَحَوَّلُ الحُزْنِيَّاتُ الى تَقَوِيَّاتٍ، ونتَشارَكُ النَقاءَ الرَبَّانِيَّ.
ودُعائيَ: أَنْ عَظَّمَ الرّبُ أَجْرَ كُلِّ مَنْ صَلَّى و بَكى ونَدِمَ وتَابَ وسَامَحَ.

***

يا لِهَولِ ما جرى
والدمعُ سالَ و جرى
والقلب ُ إلى القلبِ جرى
قالوا الحسين افْتدى
أهلَهُ طولَ المدى …
قُلْتُ يا ناسُ إحذَروا
فالشَّرُ في قلبِ العِدا
والمَجْدُ لِمَنْ بالَوَجْدِ اهتدى..!

  • الدكتور جورج كلّاس أكاديمي وكاتب لبناني، كان عميداً لكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى