مهزلة السلام الأميركي في الشرق الأوسط

بقلم كابي طبراني

تعيينُ شخصٍ عديم الخبرة يبلغ من العمر 30 عاماً كمبعوث سلام جديد للولايات المتحدة في الشرق الأوسط يروي مُجلّدات عن النهج المُتهوّر الذي تتَّبعه إدارة دونالد ترامب في عملية السلام.

آفي بيركوفيتز، مساعد جاريد كوشنر، كبير مستشاري وصهر ترامب، تولّى منذ أيام مهام منصبه كمبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط من جيسون غرينبلات، المحامي العقاري السابق لترامب، الذي استقال يوم الجمعة الفائت. وكان بيركوفيتش تخرّج من كلية الحقوق في جامعة هارفارد في العام 2016، وليست لديه أي خبرة سابقة في السياسة الخارجية.

ليس للشاب “آفي” أي خبرة ولا وزن، قال عنه المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط السابق مارتن إنديك، لكي يتولّى أحد أكثر ملفات المنطقة تعقيداً. كما أن كوشنر، الذي يُعتبَر أحد كبار مهندسي “صفقة القرن” الغامضة، هو الآخر ليس مؤهّلاً، ذلك أن خلفيته كانت في قطاع العقارات، وليس في السياسة الخارجية.

منذ فترة طويلة يشتكي الفلسطينيون من أن الولايات المتحدة لم تكن أبداً جادة في حل قضية الشرق الأوسط بشكل عادل ومنحهم دولتهم الموعودة، وهي تنحاز بشكل سافر إلى جانب الدولة العبرية.

ومع ذلك، فإن إدارة ترامب لم تهتم بشكاوى واعتراضات الفلسطينيين وكانت الإدارة الأميركية الأكثر تأييداً لإسرائيل حتى الآن. في الواقع، يُعتبَر كلٌّ من كوشنر وغرينبلات وبيركوفيتش والسفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان من مؤيدي الصهاينة الأقوياء. وهم يتشاركون في أنهم “نيويوركيون” ونشأوا في بيئة دينية يهودية أرثوذكسية. كما أنهم درسوا في معهد توراتي في محيط القدس، وتعلّموا على أيدي حاخامات متطرفين عن أرض إسرائيل الكبرى، عن “يهودة والسامرة”، وعن تطور “الحق التاريخي لليهود في فلسطين” منذ إبراهيم حتى يومنا هذا، مروراً بإسحق ويعقوب وغيرهما.

واعتبر معظم الخبراء أن تعيين بيركوفيتز هو إحدى أكثر الخطوات سخافة التي تقوم بها هذه الإدارة تجاه ما يسمى بعملية السلام. لقد كانت واجباته الرئيسة كمساعد إداري في البيت الأبيض “لوجستية، مثل تأمين القهوة وتنسيق الإجتماعات”.

هل يُمكن للزعماء والقادة الذين يتمتعون بالخبرة والوقار أن يقابلوه؟ لو كان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ما زال على قيد الحياة اليوم لربما سخر من التعيين ورفض مقابلته.

مع ذلك، فإن خطة السلام لم يتم الكشف عنها بعد، وكل التسريبات تُفيد بأنها ستكون مُتحيّزة بشكل كبير لصالح الإسرائيليين. في الواقع، لقد تم ّإخفاء تفاصيلها إلى حد كبير لأنها سوف تُقابَل بالغضب والرفض من قبل الفلسطينيين.

ليس من الواضح سبب استمرار تردد الإدارة الأميركية وتراجعها، ولكن ما هو واضح من العامَين اللذين أمضتهما إدارة ترامب في السلطة هو أن بناء مستعمرات يهودية غير شرعية على الأراضي الفلسطينية قد ارتفع بشكل خطير ولم تحرّك ساكناً.

كما نفّذ ترامب أيضاً خطوة غير مسبوقة وهي نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، مع الإعتراف فعلياً باحتلال إسرائيل غير القانوني للقدس. وبعد سنة على ذلك، إعترفت واشنطن باحتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية.

ويبدو أن كل هذه التحرّكات محسوبة بدقّة وتهدف إلى وضع الأسس لضم المزيد من الأراضي الفلسطينية من قبل إسرائيل.

كل هذا يشير إلى أن عملية السلام في الشرق الأوسط قد تحوّلت إلى “مهزلة”، وإلى حدث ثانوي لتشتيت الإنتباه عن الطموحات الصهيونية لتغيير الواقع على الأرض وفي النهاية ضم إسرائيل كل الأراضي التي احتلتها من العرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى