الطبيب العليل

بقلم راشد فايد*

لم يَستلزم الأمر أكثر من 20 يوماً، كي تسقط “اللمسة الديموقراطية” عن “أنامل” الأمين العام ل”حزب الله”  السيد حسن نصرالله: كانت لفتة “مبهرة” منه، سنداً الى تجارب اللبنانيين معه، حين دعا “الآخرين الى عدم إلغاء مَن في طوائفهم، وفي مناطقهم” … فهو لم يكن ليوافق، حسب قوله، على” إلغاء أو شطب أحد”.

كان هذا القول لتعزيز موقع الوزير السابق طلال أرسلان في المعادلة الدرزية، ومنح نفسه فيه، مقام المقرّر والمَرجَع والمُرشد المحلّي، كما حاله منذ 2006. لكنه، إن بدا حريصاً على اتساع مروحة الديموقراطية، المدّعاة، لم يخفِ أنه يطلبها في محيط الآخر، كل آخر، ولا يعني الأمر، محيطه، ولا الثنائية الشيعية.

تحلّ هذا الأسبوع جولة الإنتخابات الفرعية في صور، وعلى عكس تفاؤل كثيرين بحدوث منافسة ديموقراطية، بين مرشح الحزب الشيخ حسن عزالدين، والمحامية بُشرى الخليل، بعدما انتهت مهلة سحب الترشيح، فوجئ المُهتَمّون باجتماع ليلي بينها وبين نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، أفضى الى انسحابها في اللحظة ما بعد الأخيرة.

لماذا أقنع الحزب منافسة مرشحه بالإنسحاب، فيما هذا الانسحاب لا يسمح قانوناً لهذا المرشح بالفوز بالتزكية، لأنه وَقَعَ بعد انتهاء مهلة التراجع عن الترشيح، وتالياً لن يكون زعم تجنيب الدولة إنفاق المال للتنظيم مُجدياً. كذلك، ليس في التنافس، إن وقع، قلق من أن يؤول مقعد النائب السابق نواف الموسوي الى غير عزالدين. لكن، لو استمرت بشرى الخليل في المنافسة لشكّل الإقتراع فرصة لقياس تزايد، أو تراجع، الإلتصاق بين “البيئة الحاضنة” والحزب المعني. فالتنافس لن يُبعِد مقعد الموسوي من عزالدين، لكنه سيُظهر مدى تجانس  الجمهور مع مرشح الحزب، فيما حماسة جمهور حركة “أمل” للمشاركة في الإقتراع غير مضمونة، ما يجعل نسبة المعارضة، المُقترِعة لمصلحة المرشحة، لافتة، خصوصا ان صور، في العمق، لا تميل الى الحزب، وتزمته، وتقترب من “أمل”، وانفتاحها الإجتماعي. يُضاف الى ذلك، لو لم تُلغَ المنافسة، أن أرقام المُرشّحة المنافسة، لو نافست، سيُبنى عليها في الإنتخابات العامة المقبلة، لقياس فرص المعارضين للثنائية الشيعية.

قد يقول الحزب، إن انشغاله الإقليمي المُوَزَّع، على الكيان الصهيوني، وسوريا وإيران والعراق واليمن، لا يسمح له بأن يُشتّت تركيزه بحسابات مقعدٍ إنتخابي، وهو الحريص على الإستقرار الداخلي الهشّ، فيما العقوبات الأميركية الإقتصادية لا تنفك تتصيده، ومعه بيئته الحاضنة، اللصيقة والقصيّة.

إذاً، إلغاء الآخر إلتزام يقع على الآخرين، كل الآخرين. ولا يحتاج كشف ذلك، كثير عناء، وما إقناع مُنافِسة عزّ الدين بالإنسحاب، إلّا “اطزج” مؤشر “سلمي”. فالماضي غير البعيد زاخر بالوقائع الدامية في إطار ديكتاتورية الحزب، وأسماء ضحايا تجرّأوا على الترشّح للإنتخابات في الجنوب وبعلبك معروفة، كالصحافي علي الأمين، وأعضاء لائحة “شبعنا حكي”، ورجل الدين الشيعي الشيخ عباس الجوهري، وأحمد كامل الأسعد.

يقول العرب: طبيب يداوي الناس وهو عليل.

  • راشد فايد كاتب وصحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb أو متابعته على: www.rachedfayed.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى