برنامج الفضاء الإيراني يتعثّر في ظل العقوبات

فرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على برنامج إيران الفضائي، مُتّهمةً طهران بأنها تستخدمه “غطاءً” لبرنامجها للصواريخ الباليستية. وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في بيان إن “الولايات المتحدة لن تسمح لإيران باستخدام برنامجها الفضائي غطاءً لتطوير برامجها الصاروخية”. وأضاف أن هذه أول مرة تفرض فيها أميركا عقوبات على وكالة الفضاء المدنية الإيرانية بسبب أنشطة مرتبطة بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية.

المكوك الفضائي “سيمرغ”: نجح من دون حمولة

 

بقلم شهريار باسانديده*

بعد توقفٍ دام أربع سنوات، إستأنفت إيران برنامجها لإطلاق الأقمار الإصطناعية في وقت سابق من هذا العام، على الرغم من فشل مُحاولتَي إطلاق في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) الفائتين، تبعهما فشل إطلاق ثالث في أواخر آب (أغسطس). لا شك أن  هذه المحاولات الفاشلة معاً تُشكّل إنتكاسة كبيرة لبرنامج الفضاء الإيراني الذي تُعيقه منذ فترة طويلة سلسلة العقوبات الدولية، بما فيها العقوبات التي تُثيرها هذه الإختبارات، مثل العقوبات الأميركية الأخيرة على وكالة الفضاء الإيرانية والمؤسسات التابعة لها التي فُرضت في الأسبوع الفائت. وعلى الرغم من أن الإختبار الفاشل يُمثّل فرصة للمهندسين الإيرانيين لاستكشاف أخطاء تصميماتهم الصاروخية وتصحيحها، فإن سلسلة الإخفاقات هذا العام تُظهر التحديات التي يجب على طهران التغلّب عليها قبل أن تتمكّن من تحقيق طموحاتها المدنية والعسكرية في الفضاء.

في العام 2009، وضعت الجمهورية الإسلامية بنجاح في مدارها أول قمر إصطناعي لها من خلال استخدام مكوك فضائي محلي، الأمر الذي جعلها الدولة التاسعة في العالم التي تقوم بذلك. على الرغم من حقيقة أن قمر “أوميد” الخام يزن فقط 27 كيلوغراماً، إلّا أن عملية  الإطلاق تُمثل الخطوة الأولى لبرنامج فضائي طموح يهدف إلى وضع أقمار إصطناعية أكبر ذات استخدام مدني وعسكري أوسع في المدار. في العقد الذي تلا، وضعت إيران ثلاثة أقمار إصطناعية إضافية في المدار، وكلها تصميمات تجريبية صغيرة مثل “أوميد”، مما يدل على قدرات الفضاء الوليدة للبلاد. ومع ذلك، فإن طموحاتها يُعيقها تصميم الصواريخ الذي تعتمد عليه.

يُشار إلى أن المكوك الفضائي “سفير”، الذي استُخدِمَ لإطلاق “أوميد” وغيره من الأقمار الإصطناعية الإيرانية، مُشتقٌّ من صاروخ “شهاب -3” الباليستي الذي يعمل بالوقود السائل والذي يُشكّل الجزء الأكبر من ترسانة الصواريخ طويلة المدى والمسلحة تقليدياً في إيران. إن تطوير تصميم “سفير” هو في طريق مسدود بسبب مساحته الصغيرة لنمو الحمولة الصافية، مما يجعله غير قادر على إيصال أقمار إصطناعية أكبر بكثير أو أثقل من “أوميد” إلى مدار أرضي منخفض، ناهيك عن أبعد من ذلك. وبعبارة أخرى، يضع “سفير” قيوداً صارمة على ما يمكن أن يحققه برنامج الفضاء الإيراني حقاً.

للتغلب على القيود المفروضة على “سفير”، أمضت إيران أكثر من عقد في العمل على صاروخ أكبر، يُدعى “سيمرغ”، الذي اختُبِرَ لأول مرة بنجاح في العام 2016. وقد تم تصميمه حول نظام الدفع لصاروخ “شهاب –3” الباليستي، مع أربعة محركات مُجمَّعة معاً لتوفير قدرة حمولة أعلى بكثير ومدار أعلى من “سفير”. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الأساسية ليست رائدة، فإن “سيمرغ” يوفر القدرة على وضع الأقمار الإصطناعية في المدار بقدرات مدنية وعسكرية ذات معنى.

ومع ذلك، واجه برنامج “سيمرغ” تحديات فنية، فاقمتها القيود الصارمة للعقوبات الدولية المفروضة على برنامج الفضاء الإيراني. في تموز (يوليو) 2017، إختبرت إيران بنجاح مكوك “سيمرغ” من دون حمولة. وفي كانون الثاني (يناير) من هذا العام، أجرت إختبارها الثالث والأحدث، هذه المرة باستخدام قمر إصطناعي. على الرغم من أن المكوك “سيمرغ” أقلع بنجاح، فقد فشلت المهمة حيث لم يصل القمر الإصطناعي إلى مداره. لذلك، بعد 10 سنين من وضع القمر الإصطناعي “أوميد” في المدار، لا تزال إيران تعتمد على صاروخ أقل تطوراً، وهو “سفير”، في برنامجها الفضائي الناشئ. كما لو أن الإخفاقات المتكررة ل”سيمرغ” لم تكن سيئة بما فيه الكفاية ، فإن فشلاً آخر في إطلاق “سفير” في أواخر الشهر الماضي ترك إيران من دون وسيلة موثوقة لوضع الأقمار الإصطناعية من أي حجم في المدار.

في الوقت الحالي، يعتمد مستقبل برنامج الفضاء الإيراني على صاروخين: التطوير الناجح لـ”سيمرغ” وصقل “سفير” لاستعادة موثوقيته. وتشير إخفاقات الإطلاق الثلاثة لعام 2019 إلى أن هناك المزيد من العمل الذي يتعيّن القيام به قبل أن يتمكن أيٌّ من الصاروخين من العمل كركيزة لبرنامج الفضاء الطموح. في حين أنه يُمكن إصلاح هذه الإخفاقات مع ما يكفي من الوقت والجهد، فإن المشكلة بالنسبة إلى إيران هي أن أي مكوك فضائي موثوق به يستلزم برنامج اختبار مكثفاً، واحدٌ يتطلّب ربما حوالي نصف دزينة إطلاق أو نحو ذلك. لكن اختبار إيران لأي صاروخ، حتى لو لم يكن صاروخاً باليستياً وهو في الواقع مُخصّص للأغراض المدنية، يجذب انتباهاً ديبلوماسياً غير مرحب به في وقت تُشدِّد الولايات المتحدة الضغط على طهران. إن ما تعتبره إيران سلوكاً جيداً هو أيضاً مفتاح تخفيف آثار الإنسحاب الأميركي الأحادي الجانب من الصفقة النووية الإيرانية. من نواحٍ كثيرة، تتمثّل مشكلة طهران في إدارة البصريات والديبلوماسية العامة. لكن العقوبات الجديدة التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية على وكالة الفضاء المدنية الإيرانية ومنظمتين بحثيتين هذا الأسبوع دليل آخر على حجم التحدي الذي تواجهه إيران على الجبهة الديبلوماسية.

على الرغم من أن العديد من المراقبين يدّعون في كثير من الأحيان بأن هناك ارتباطاً مباشراً بين برنامج الفضاء الإيراني وقدراته الصاروخية البالستية – لأن صاروخاً فعّالاً يعمل يُمكنه، من حيث المبدأ، أن يُقدّم نطاقاً مماثلاً لصاروخ باليستي عابر للقارات لأغراض أخرى – مع الأخذ بالإعتبار كل الأشياء، فإن تصميمات المكوك الفضائي غير مناسبة تماماً للتحويل إلى صواريخ باليستية. إن مركبات إطلاق الأقمار الإصطناعية عموماً كبيرة جداً وضخمة وهشة وتستغرق وقتاً طويلاً لإشعال محركاتها حتى تكون عملية لإيصال أسلحة نووية، لا سيما إذا كان الغرض منها استخدامها ضد الدول المسلحة نووياً مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن في الوقت نفسه، فإن الأقمار الإصطناعية التي تضعها هذه الصواريخ في المدار ستزود إيران بقدرات عسكرية مهمة تفتقر إليها حالياً.

على الرغم من أن ذلك هو جزء من برنامج فضاء مدني رسمياً، إلّا أن تطوير إيران لقمرها الإصطناعي وقدرتها التصنيعية لهما بُعدٌ عسكري أيضاً. إيران ليست فريدة من نوعها في هذا الصدد لأن الأقمار الإصطناعية بطبيعتها توفر قدرات ذات استخدام مزدوج. من خلال أقمار الإتصالات، على سبيل المثال، يُمكن للهلال الأحمر الإيراني والشركات الإيرانية نقل البيانات بسهولة أكبر من المواقع البعيدة في البلاد. ويُمكن إستخدام أقمار مراقبة الأرض من قبل العلماء الإيرانيين لإجراء البحوث البيئية ومساعدة المزارعين الإيرانيين في التخطيط الزراعي. في الوقت نفسه، يُمكن لهذه الأقمار الإصطناعية أن تساعد إيران على تشغيل طائراتها المُسيَّرة بدون طيار على مسافات أكبر، كما يُمكن أن تساعد إيران على مراقبة المنشآت العسكرية في الشرق الأوسط إستعداداً للضربات العسكرية المُحتَمَلة بصواريخها المتزايدة الدقة.

لا شيء من هذا يعني القول بأن البُعدَ المدني بأكمله لطموحات إيران الفضائية هو خدعة. بدلاً، الكثير من طموحات البلد الفضائية، بما فيها الهدف من وضع البشر في المدار، ينبغي أن تُفهَم على أنها جزء من مشروع قومي أوسع. تفخر إيران بالإعتماد على الذات وعروض القدرات التكنولوجية الإيرانية، حتى لو كان العديد من المنتجات النهائية ذات استخدام مزدوج ويُمكن أن تساعد في النهاية على معالجة أوجه القصور في قدراتها العسكرية. مع توفر عدد قليل من البائعين الدوليين وميلهم إلى عدم بيع أقمار إصطناعية لإيران – سواء أكانت مدنية أم عسكرية – بموجب نظام العقوبات الحالي، فإن لدى البلاد أسباباً قوية لمحاولة تطوير قدراتها الخاصة، حتى لو كانت العملية طويلة وصعبة.

تُشكّل الإطلاقات الفضائية الثلاثة الفاشلة هذا العام انتكاسة كبيرة لطموحات إيران الفضائية، حتى لو كانت هذه الإختبارات، بما فيها الفاشلة، جزءاً من عملية تطوير برنامج فضائي ناجح. إذا تم توفير الوقت والموارد – وموافقة قادة إيران على إجراء المزيد من الاختبارات في مواجهة العقوبات الإضافية والضغط الديبلوماسي – فقد ينجح المهندسون الإيرانيون في الوصول إلى صناعة التصميم الصاروخي الذي يريدون. وقد يستخدمون حتى الخبرة المتراكمة لتطوير صاروخ أكثر تقدماً قادراً على وضع أقمار إصطناعية أكبر في المدار.

وحتى يحين الوقت، على الرغم من ذلك، من المرجح أن يظل برنامج الفضاء في البلاد مُتعثّراً وفي طي النسيان. إن التوترات الديبلوماسية وضغط العقوبات يعنيان أنه بعد مرور عقد على أول وضعٍ ناجح لقمر إصطناعي في المدار، تظل طموحات إيران الفضائية ثابتة على الأرض.

  • شهريار باسانديده طالب دكتوراه في قسم العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن. يركز بحثه على تقييم القوة العسكرية، وتطوير ونشر التقنيات العسكرية، والعمليات العسكرية وفعاليتها، وقضايا الأمن الإقليمي في منطقة الخليج العربي ومنطقة المحيط الهادئ الهندية.
  • كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الأبحاث والدراسات في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى