ماذا يُخبّىء المُستقبل للبنان و”حزب الله”؟

بقلم كابي طبراني

بعد أسابيع من التهديد والوعيد بين إسرائيل و”حزب الله”، بما فيها هجوم صاروخي إنتقامي من الحزب رداً على غارة إسرائيلية مُسيَّرة، تفادى لبنان كارثة ونجا حتى الآن. لقد سمحت حقيقة عدم وقوع إصابات في الجانبين بادّعاء النصر من كليهما، وتخفيف حدة التوتر، وتجنّب ما كان يخشاه الكثيرون أن تكون حرباً شاملة.

ومع ذلك، فإن هذا الأمر لا يُطمئن لبنان إلّا قليلاً لأنه يواجه عدداً من التحدّيات الكبرى. فالبلاد تبدو راهناً في مكانٍ يتقاطع مع استمرار التوترات الإقليمية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، والإقتصاد في حالة يُرثى لها حيث يُعاني لبنان من ديون عامة هائلة تُهدّد العملة الوطنية، وبطالة مُرتفعة تدفع بهجرة الأدمغة والشباب، وفساد مستشرٍ يحجب عن الخزينة مليارات الدولارات، وتصنيفات دولية سلبية تُضعف ثقة العالم به …

في الأسبوع الفائت، فرضت الإدارة الأميركية عقوبات على “جمال ترست بنك” واتّهمته بتسهيل أنشطة “حزب الله” المالية. كانت هذه “غزوة” أميركية نادرة ضد بنك لبناني، مما أثار مخاوف من أن تكون هناك خطوات إضافية قد تُقوّض الثقة الدولية في القطاع المصرفي، والتي ستكون لها عواقب وخيمة، إذ أن الخدمات المصرفية هي ركيزة الإقتصاد اللبناني.

ليس من المفاجئ أن يكون للمواجهة الأميركية – الإيرانية على لبنان تأثيرٌ أكبر وأعمق مما كانت عليه في السابق. لقد واجه رئيس مجلس الوزراء، سعد الحريري، كلاماً قاسياً عندما زار واشنطن أخيراً. في الكونغرس ومجتمع الفكر والأبحاث الأميركي، كانت هناك أصواتٌ تدعو إلى قطع المساعدات العسكرية عن الجيش اللبناني، والذي يعتبره النقاد هناك أنه قريبٌ جداً من “حزب الله”.

بالتأكيد، لم يُساعد أهل السلطة في لبنان الوضع. لقد دافع عدد من المسؤولين، بمَن فيهم الرئيس ميشال عون، علناً عن “حزب الله”، حتى عندما كان واضحاً أن إدارة دونالد ترامب كانت تنوي عزل الحزب الشيعي اللبناني. كما اتخذت الحكومة والجيش مواقف تتماشى مع “حزب الله”، مما أحرج المدافعين عنهما في واشنطن.

ومع ذلك، فإن أولئك الذين يُغريهم إضعاف “حزب الله” باستهداف لبنان يجب أن يكونوا حذرين للغاية. من المرجح ألّا يؤدي أي هجوم كامل على البلد إلى شيء سوى زعزعة إستقرار الدولة، ودفع الإقتصاد إلى أزمة خطيرة وإضعاف مؤسسات الدولة التي، إذا لم تفعل أي شيء ضد “حزب الله” ولا تستطيع مواجهته، فإنها تُمثّل بديلاً من النظام السياسي الذي يود الحزب الشيعي فرضه على لبنان. بمعنى آخر، نظامٌ لا توجد فيه دولة فعّالة وجميع الأولويات يُحدّدها “حزب الله” ورعاته الإيرانيون.

يردد النقاد بأنه لا توجد دولة فعّالة اليوم. هؤلاء يُبالغون في تبسيط الواقع اللبناني. إن النظام الطائفي يُجبر “حزب الله” على أخذ أولويات خصومه في الإعتبار. لا يَسَع الحزب الشيعي سوى حساب تداعيات الحرب المدمرة مع إسرائيل على المجتمعات الدينية الأخرى. ومع ذلك، فإن الجهود الرامية إلى معاقبة الدولة اللبنانية بأكملها، والتي تعكس في حد ذاتها التعقيد الطائفي في لبنان، من المرجح أن تُضعف خصوم “حزب الله” أكثر من الحزب نفسه، مما يمنحه حرية أكبر للقيام بما يريده في البلاد.

لهذا استفاد لبنان دائماً من الغطاء الدولي كوسيلة للتعويض عن سيادته الصعبة المنال. خلال سنوات الوجود العسكري السوري، كان رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري يسعى في كثير من الأحيان إلى توسيع هامش المناورة في ما يتعلق بدمشق من خلال اللعب على علاقاته مع الجهات الدولية الفاعلة. كان هذا مفيداً بشكل خاص على الجبهة الإقتصادية، التي كانت المصدر الرئيس لسلطة الحريري بالنسبة إلى سوريا.

اليوم، أيضاً، تلعب علاقة لبنان العسكرية مع الولايات المتحدة، كما استعداده للإستماع إلى الجهات المانحة الدولية التي تضغط من أجل الإصلاح الإقتصادي اللبناني، دوراً مماثلاً. طالما أن لبنان يتمتع بروابط مع أطراف فاعلة دولية، خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا والإتحاد الأوروبي بشكل عام، فهذا يعني أنه يتعيّن عليه أن يستجيب بطريقة ما لمطالب الأميركيين والأوروبيين.

إن استخدام معارضة الدولة اللبنانية النشيطة ضد “حزب الله” كمعيار لقياس جدّيتها هو أمر مُثيرٌ للسخرية. كل ما يمكن أن تفعله المواجهة هو أن تؤدي إلى حالة من الجمود والتوترات الطائفية مع المجتمع الشيعي، مما قد يؤجّج بدوره نيران حرب أهلية. كما لا يعتقد أي شخص أن الدولة الضعيفة والمُنقَسمة يُمكنها تحدّي حزب قوي ومتماسك عسكرياً تدعمه قوى إقليمية. في الواقع، من غير المنطقي أن يكون هذا التوقّع بأن أولئك الذين يضغطون على الدولة يريدون تجريد لبنان من الحماية الدولية وليس فرض تغيير على البلد.

ولماذا يريدون القيام بذلك؟ قد يكون السبب هو أن العديد من أولئك الذين يضغطون لمثل هذا النهج يهتمون بأمن إسرائيل ويشعرون أنها ستكون لها حرية أوسع في العمل بحرية في لبنان ضد “حزب الله” إذا كانت البلاد معزولة. لهذا السبب شكك أصدقاء إسرائيل البارزون، مثل السناتور تيد كروز، في المساعدات الأميركية للجيش اللبناني، ولهذا السبب اشتكت تل أبيب من أن قوة الأمم المتحدة في جنوب لبنان فشلت في الحدّ من انتهاكات “حزب الله” لقرارات الأمم المتحدة التي تحكم الجنوب.

من الصعب المجادلة عكس ذلك. لكن القضية الحقيقية هي ماذا سيحدث لو أصبح لبنان أرضاً حرة لإسرائيل وإيران ووكلائها. من المؤكد أن البلاد ستُدَمَّر، مما سيسمح ل”حزب الله” عسكرياً، ولو دموياً،  بإعادة تأكيد نفسه قبل فترة طويلة. سيواجه الحزب مجتمعاً مُحبَطاً وفقيراً ومُرهَقاً له وسائل أقل لمواجهة أجندته مما هو عليه اليوم.

سيصبح لبنان دولة فاشلة فعلياً مع وجود أكثر من مليون لاجئ سوري في البلاد، مما قد يدفعهم إلى الهجرة غرباً. لا أحد في المجتمع الدولي يسعى إلى مثل هذه النتيجة. لا شك أن “حزب الله” مشكلة كبيرة لا تتوفر لها حلول سهلة. أما إزالة لبنان لإيذاء الحزب فهي ذروة الحماقة ولن تؤدي إلّا إلى تعزيز “حزب الله”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى