“مانيفست” الحكيم

بقلم راشد فايد*

إعتاد المسؤولون اللبنانيون أن يتجنّبوا الخوض، علناً، في الأمور غير المُتفَّق على نظرة موحدة إليها، من دون أن يعني ذلك عدم النقاش في شأنها في المنتديات وقاعات النقاش. كان ذلك زمن كان أهل الحل والربط  يراعون الحساسيات الوطنية المختلفة، خصوصاً حين يكون الموضوع غير ذي جدوى، أو لا مردود يرتجى منه. كان ذلك يحدث باسم ما كان يسميه الرئيس المرحوم صائب سلام بـ”التفهم والتفاهم”.

ما أعاد كل ذلك إلى الذاكرة، استرجاع الزمن العثماني قبل ولادة “لبنان الكبير” في العام 1920، يوم كانت السلطنة  تمتد على 3 قارات، وتضم شعوباً من كل الأجناس والأديان، ولعبت الإمبراطوريات المنافسة دوراً كبيراً في إثارة الفتن في مناطقها المختلفة كالبلقان والمنطقة العربية، وحتى في اسطنبول. والواقع أن ليست للبنانيين نظرة مشتركة إلى الدور العثماني، ما يجعل الكلام في الأمر كأنه انحياز سياسي، فيما المنطقة تصارع مشروع هيمنة طائفية ومذهبية توسّعية، لا يخفى تراصف قواها المتواجهة.

********

ليس مُهمّاً ما قاله رئيس حزب “القوات اللبنانية” “الحكيم” سمير جعجع، في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية عمّا كان مع شريكه السابق في “تفاهم معراب”، وإن كان من باب التذكير. فالمهم ما رسمه للأيام الآتية، بما يشبه “مانيفستو” يستشرف فيه جمهور انتفاضة “14 آذار” السابقة عودة إلى وضوح وطني لا يُحابي في المواجهة السياسية المبدئية، ولا يترك “التكتيك” يطغى على الاستراتيجي، ولو باسم المحافظة على الشرعية، سيما وأن الشريك المفترض يعود في “لحظة الحقيقة” إلى حضن تفاهم آخر يراه يملك 99 في المئة من أوراق القرار في مصير الجمهورية ورئاستها المقبلة. لقد آن الأوان لتبنّي الصمود والتصدي نهجاً، علنياً، في مواجهة الدويلة وتفرعاتها: صمود على رفضها، وتصدّ لتمدّدها. فخطاب الحكيم حسم مجدداً الإنتماء إلى عروبة المنطقة، والتزام لبنان في الصراع العربي-الإسرائيلي، ورفض جرّ لبنان إلى أتون المواجهة الأميركية- الإيرانية. كما حسم في التزام الحرب على الفساد والهدر والمحسوبيات.

********

بين الطائرتين الإسرائيليتين المُسيَّرَتين في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبين استهداف صاروخ “حزب الله” آلية اسرائيلية على الحدود، في شمال فلسطين المحتلة، خيط ثخين إسمه تواري الدولة خلف الحزب. فالأخير يفحص ويُفكّك تركيب الطائرة المُعادية ثم يسلمها بعد أيام للجيش اللبناني. والحزب، قبل ذلك يُعاين المنطقة، حيث سقطت الطائرتان، ولا يدخلها الجيش إلا بعد ساعات عدة. والحزب يقفز، كالعادة، من فوق الدولة ويُهدّد ويتوعّد… ويُنفّذ، ويترك للدولة دور الوسيط  بينه وبين المجتمع الدولي، وكأنها ليست صاحبة القرار. والحزب لديه “قواعد اشتباك” مع العدو تفاهم معه عليها بعد “حرب تموز” في 2006، وترعاها واشنطن، وهي بحالة تفعيل دائمة، بينما “إتفاق الهدنة”، المُكرَّس أممياً منذ العام 1948، بين الدولة اللبنانية والدولة العدو، متوارية عن التطبيق، ولو استمرت إجتماعات لجنتها الثلاثية دورياً.

  • راشد فايد كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: fayed@annahar.com.lb

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى